يشير اختصاصي علم الاجتماع الأسري، الدكتور فتحي طعامنة، إلى أن هناك أشخاصا تقوم حياتهم على العتاب، ويشترطون أن يقدّم لهم الآخرون، الأعذار على كل ما يتضايقون منه.
ويرجع طعامنة أن عتاب هؤلاء الأشخاص يعود إلى طبيعة تكوينهم الشخصي وإلى نفسياتهم التي غالبا ما تكون "مضطربة"، فكثيرمنهم يعتقدون أن الآخرين على خطأ دائما، وأن رأيهم هو الصائب، مضيفا أن هذا النوع من الأشخاص يفترضون الخطأ في الآخرين، ولذلك يجب على هؤلاء "الخطائين" الاعتراف بأخطائهم وتقديم الاعتذار.
ويلفت طعامنة إلى أن العتاب المتكرر يؤدي بصاحبه إلى الوحدة، فلا يجد في النهاية صاحبا، ولا صديقا ولا حبيبا، بعد أن يضيق الناس بسلوكه.
ويجد طعامنة أن أفضل أنواع العتاب هي التي تكون بالتلميح وليس بالتصريح، لافتا إلى أن الأشخاص كثيري العتاب سيفقدون كل من حولهم، ويدمرون علاقاتهم الاجتماعية، من دون أن يعوا ذلك، وتصبح علاقتهم بغيرهم مقتصرة على الحد الأدنى من المجاملة.
من جانبه يجد اختصاصي علم النفس، الدكتور منذر سويلمين، أن مسألة العتاب، واستيضاح الشخص لأمر ما حول موقف معين، أمر لا بأس به، شريطة أن لا يكون العتاب على كل شيء، لأن العتاب الذي لا مبرر له يؤثر بشكل سلبي على الشخص الذي يوجَّه إليه العتاب، ويؤثر على الشخص المعاتب سواء بسواء.
"الأصل في الإنسان السوي أن يترفع عن صغائر الأمور"، وفق سويلمين، وأن لا يبالي بالأشياء الصغيرة، وأن يتصف بتقدير الآخرين. والتماس العذر لهم، والتسامح مع تصرفاتهم.
ويلفت سويلمين إلى أن وجود مثل هذا النوع من الأشخاص يخلق نوعا من التوتر في العلاقات، ويُحدث نوعا من الوسواس لدى الأشخاص الذين يتضايقون من كثرة العتاب، بسبب خشيتهم من الوقوع في مطب عتاب الآخرين لهم.
ويضيف أن هذا النوع من العتاب يسبب شرخا في العلاقات الاجتماعية القائمة في المجتمع، ولذلك لا بد من أن تتسم العلاقات الاجتماعية بالمرونة، وباحترام خصوصية الناس، وبالتغاضي عن أخطائهم إنْ وُجدت، لأن من يعاتب ليس مسؤولا عن هذه الأخطاء أصلا، وليس معصوما منها أيضا.
في حين يرى خبير مهارات السلوك، ماهر سلامة، أن العتب بالفعل يجلي الصدر، لكن بحسب المعاتب وطريقته في العتاب، "أنصح المعاتب أن لا يضع الطرف الآخر موضع المتهم، ويجعله مضطرا إلى الدفاع عن نفسه بطريقة تبدو وكأنه يبرئ شخصه من تهمة مؤكدة، فقد يكون رد فعل عكسيا وغير متوقع، ويخسر المعاتب الطرف الآخر".
ويضيف سلامة "إذا عاتب أيُّ شخص شخصا آخر، يجب أن يحدد بدقة الأشياء التي تزعجه فيه، وأن يضع النقاط على الحروف"، مؤكداً الحرص على العلاقة مع الطرف الآخر، والتأكيد على أن عتاب من باب الحفاظ على الود، عملا بالحكمة القديمة التي تقول "علامة ما بين المحبين في الهوى عتابهم في كل حق وباطل".
ويشدد سلامة على أن "عتاب من نحب يتطلب منّا أن نكون مهذبين معه، فلا نجرحه في عتابنا، ويجب أن نتحرى الدقة في ألفاظنا، ونبتعد عن الاستفزاز وعن كل ما قد يسيء". ويتطلب العتاب أيضا الهدوء والابتعاد عن الانفعال والنبرة المرتفعة في الحديث، وعلينا أن نتذكر أننا نعاتب ولا نتشاجر!".
وعن الأشخاص الذين يمتهنون العتاب ويجعلونه أسلوب حياتهم، يرى سلامة أن هناك نوعا من الصعوبة في التعامل معهم، والأفضل هو عدم التدقيق في كل ما يصدر عنهم، ومعاملتهم بنوع من الرسمية، والحذر، حتى لا يتمادوا في العتاب.
0 التعليقات:
إرسال تعليق