سوء الظن يعصف بالعلاقات الاجتماعية ويدمرها




ما إن يتعرض الإنسان إلى مواقف معينة في حياته، حتى تتوارد بعض الأفكار إلى ذهنه، فيخشى أحيانا أن "يسيء الظن بها، أو يحسن الظن"، وهي ردود فعل طبيعية عند كل إنسان، نتيجة مشاعر متضاربة تتخلل تفكيره، ومرتبطة بتجارب سابقة مرّ بها في حياته.
ويعتبر البعض أن سوء الظن صفة سائدة بين الناس، نتيجة ظروف اجتماعية ونفسية متغيرة، وبات تأثيرها واضحاً على المجتمع؛ رغم أنها صفة غير مرغوبة، وتجعل الإنسان يعيش في دوامة من "التفكير المُتعب".

واستنادا إلى دراسات نفسية واجتماعية متخصصة في هذا الشأن، يبين مختصون أن ظاهرة سوء الظن، من الناحيتين السيكولوجية والسيسيولوجية -بمجمل تأثيراتها على الفرد والمجتمع- هي ظاهرة خطيرة، و"فيروس يحطم جهاز المناعة لدى المجتمعات والأفراد".
ومن خلال هذا التشبيه، يبين أسامة ناصر أنه يلمس هذه الظاهرة بوضوح في مجتمعنا، ولا ينكر زيادتها في الفترة الأخيرة؛ إذ يرى هذا الأخير أن ارتفاع نسبة الجريمة وحوادث السرقة وغيرها، وسوء الوضع الاقتصادي في المنطقة قد تكون من الأسباب التي تزيد من هذا الشعور، مشيرا إلى أن الخوف من الآخرين يجعل الإنسان يشعر بسوء الظن بالمحيطين، خوفاً من وقوعه فريسة للمحتالين، أو الوقوع في قضايا هو في غنى عنها.
فيما يبين اختصاصي علم الاجتماع في الجامعة الأردنية، الدكتور سري ناصر، أن المجتمعات التي تمر في أزمات معينة يصبح لديها شك في المحيطين وحالة من سوء الظن بهم، وقد تتحول إلى عدوانية في بعض الأحيان.
كما يبين ناصر أن المجتمع الذي يزيد فيه عدد السكان تزداد معه المشاكل الاجتماعية التي قد تحدث، خاصة مع وجود الأغراب في البيئة ذاتها؛ إذ يظهر هناك نوع من المخاوف تجاه الآخرين.
اختصاصي علم النفس السلوكي، الدكتور خليل أبوزناد، يرى أن هذه الظاهرة تعود لأسباب نفسية واجتماعية يعيشها الفرد خلال حياته اليومية، وبالتالي، يكون قد صوّر في داخله صورة سلبية عن المجتمع، فيراه عدوانيا وسلبيا، ولذلك تكون ردة فعله الداخلية والنفسية تجاه الآخرين سلبية فلا يتوقع منهم سوى السوء.
ويضيف أبوزناد أن هذا الأمر قد ينعكس على حياة الفرد وعلاقاته مع الآخرين بشكل عام، فقد يتحول إلى شخص انطوائي، وغير متفاعل؛ حيث إن توقعاته الداخلية المسبقة للأحداث تبعده عن الآخرين، في سبيل تحقيق الأمان الذي ينشده لنفسه، وهذا يختلف تماماً عن "الحرص"، الذي يجب على الإنسان اتباعه.
في حين تؤكد مها زيدان أن حسن الظن بالآخرين، وتوقع الأفضل منهم، يعد من الأمور الإيجابية التي يجب أن يتبعها الناس، لأن توقع الأفضل يجعلهم يشعرون بالأمان مع الآخرين، ويسهم في بناء مجتمع متحاب ومتكافل، يشعر فيه الفرد بأن كل من حوله قد يقدّمون له المساعدة في هذه الحياة.
"لا يجب الخلط بين سوء الظن والحرص"، تقول زيدان، فالحرص واجب وأساسي في مواجهة ظروف الحياة، لكن إذا تحوّل الحرص إلى سوء ظن فقد يتحوّل سوء الظن بدوره إلى "مرض نفسي"، يجعل الفرد يشك في كل من هم حوله، ويصبح إنسانا سلبيا في تعامله مع الجميع، وحتى مع أفراد عائلته.
ومن الأسباب الأخرى التي قد تُحدث عند الإنسان "سوء الظن بالآخرين"، كما يقول أبوزناد، وجود ماضٍ مؤلم في حياة الفرد، أو إساءة تعرّض لها من الآخرين -وقد يكونون من المقربين إليه. بيد أن أبوزناد يشير إلى ضرورة أن يتحلى الإنسان بالتفاؤل، وحسن الظن بالمحيطين به، حتى يحيا في مجتمع متعاون ومتكامل، ولكن مع مراعاة الحرص والحذر، البعيدين كل البعد عن سوء الظن.
ويؤكد ناصر أن سوء الظن قد يسبب أموراً سلبية في المجتمع من أهمها التغير السريع الذي يصيب المجتمع، وهذا بحد ذاته يسبب سلبيات، كما أن التفكك في الأسرة والمجتمع قد يكون من نتائج سوء الظن بالآخرين.



هل أعجبك الموضوع ؟

0 التعليقات:

إرسال تعليق