اضطراب القلق الاجتماعي



القلق الاجتماعي جذوره في التفكير .. فمبدئيا احد أهم مشاكل المريض بالقلق الاجتماعي هو التفكير المفرط في ان الناس يظنون فيه السوء .. و يحكمون عليه سلبيا .. افكار كثيرة سلبية تتولد في عقل المريض بالقلق الاجتماعي .. مثل .. انهم لا يحبوني .. انا شخص غير مرغوب فيه .. انا غريب عنهم .. رغم ان هذه الافكار لا تخرج في كلماتهم .. الا انها معتقداتهم الدفينة .. مثل ان الشمس تشرق من الشرق .. اذا التفكير يلعب دور اساسي و محوري و خطير في القلق الاجتماعي ..

حقيقة علمية هي ان كل ما تفكر فيه يؤثر على ما تشعر به .. و كذلك على تصرفاتك ..

ماذا نعني بالتفكير

التفكير يولد افكار .. و الافكار ليست كالجمل التي نتحدثها .. فالجمل اسمية او فعلية .. الاسمية فيها مبتدأ و خبر .. الفعلية فيها فاعل و فعل و مفعول به .. و كل الجمل لها تصريف و سياق منطقي .. اما الافكار فتتدفق في العقل دون قيود .. دون قواعد لغوية تحجمها او تشكلها .. فقط عندما نحاول ان نعبر عنها تخرج في صيغة جمل .. و بعض من افكارنا قد لا نستطيع ان نعبر عنها ابدا لصعوبة صياغتها و اختيار الفاظ تصفها .. و مع ذلك هي في عقولنا و تؤثر علينا ..

طبيا نسمي هذه الافكار : الادراك .. ما تدركه هو ما في عقلك .. الادراك يحتوي على اشياء عديدة .. مثل .. السلوك .. الافكار و المقترحات .. التوقعات الشخصية .. الذكريات .. الانطباعات .. الصور الذهنية .. المعتقدات .. الافتراضات .. و لكن الادراك فيه أكثر من مستوي .. تحديدا ثلاثة مستويات

أولا: مستوي الانتباه

هو المستوي الخاص بكل ما تلاحظه من حولك .. و ملاحظة الاحاسيس التي تدور بداخلك .. هذا المستوي هو المسئول عما يدخل انتباهك خارجيا او لا يدخل .. فالذي يلاحظ أشكال الناس المرئية أكثر من نمط صوتهم مثلا هو الذي لديه مستوي انتباه بصري ..

و يؤثر القلق الاجتماعي على هذا المستوي .. فينتبه أكثر الي ما يدور بداخله من أعراض القلق الجسمانية .. كضربات القلق المتلاحقة و العرق و الاحساس بالقلق و الخوف من الناس و حكمهم السلبي عليه .. كذلك يختار انتباههم كل ما هو سلبي من حولهم .. فاذا قضي المريض مثلا ساعة مع فرد يمدح فيه و انتقده دقيقة .. تجد انتباه المريض بالقلق الاجتماعي لا اراديا يضخم الدقيقة و يغفل الساعة .. و أحيانا يغرق المريض في انتباهه الداخلي غير مدرك أصلا ما يحدث من حوله .. خاصة عندما يكون في موقف اجتماعي شاق عليه ..

هناك آلية طبيعية عند الحيوانات و الانسان اسمها " هيبر فيجيلانس " و هي تركيز الانتباه على موطن الخطر .. صممت لتركيز الانتباه على مصدر الاخطار عندما نكون في وضع يحتم علينا النجاة من كارثة .. فمثلا اذا وجد أحدنا نفسه في غرفة تحترق .. تعمل هذه الآلية بحدة .. فينتبه كل الانتباه الي مصرد الحريق ليبتعد عنه و يتسني له الهروب الآمن .. القلق الاجتماعي يجعل هذه الآلية نشطة على الدوام .. و المشكلة ان الخطر الذي يركز المريض على النجاة منه هو الموقف الاجتماعي

ثانيا : مستوي الافكار التلقائية

كل ما يحدث من حولنا يجعلنا نفكر .. نحن كائنات نفكر على الدوام .. حتي لو كنا غير منتبهين لما نفكر او للسرعة التي تتلاحق فيها الافكار داخلنا .. ولكننا دوما نستجيب لكل حدث من حولنا صغير او كبير بفكرة بداخلنا .. مهما طال عمرها في عقولنا او قصر و اختفي .. و لكننا نفكر نتيجة لكل شئ يدور حولنا ..

القلق الاجتماعي يؤثر سلبيا على هذا المستوي ايضا .. فكل حدث يدور حول المريض يفسره على انه تهديد شخصي له .. بما يتبع ذلك من خوف و قلق .. و لديهم ما نطلق عليه .. الافكار السلبية التلقائية .. من أهم هذه الافكار التي تدور في رأسهم على الدوام .. أنا غبي .. انهم يعتقدون انني أحمق .. كل الناس يحملقون في .. انا شخص غير مرغوب فيه هنا .. كل ما اقوله لا قيمة له .. انا دائما لا أحسن التصرف ..

ثالثا : مستوي الاعتقادات و الافتراضات الكامنة

هذا المستوي به الافكار التي تؤسس حياتنا و نبني عليها كل ما نفعل .. فالاعتقادات و الافتراضات كثيرة و كامنة و ثابتة .. مثل ان الارض كروية .. و الشمس هي سبب النهار .. و الليل مظلم .. و الماء يروي العطش .. و ما الي ذلك .. عادة .. لا يختبر الانسان معتقداته و افترضاته .. فهو يأخذها مأخذ المسلمات .. و لا يناقشها و لا يهتم ان يضعها في كلمات و جمل .. فهي معلومة معروفة .. تأتي معظم هذا الاعتقادات و الافتراضات من الفطرة او التربية او التعليم المبكر .. اما الاعتقادات و الافتراضات الخاصة بالحياة الاجتماعية فتأتي تراكمية من مصادر عدة .. مثل الاحتكاك المباشر بالناس .. ملاحظة الناس من حولك .. معلومات من الآخرين .. ماذا تعلمت انت .. ماذا تذكر من معاملات اقرب الناس اليك

الاعتقادات بالاخص نعتبرها لون العدسات الني ننظر بها الي الحياة و نفسر بها ما حولنا تلقائيا .. و الافتراضات هي القواعد الكامنة التي نحيا بها بمساعدة اعتقاداتنا .. فمثلا ان كنت تعتقد ان الناس طيبون .. فافتراضك هو ان تعامل الناس بطيبة و سيردون لك الطيبة بطيبة ..

و بالطبع يؤثر القلق الاجتماعي على اعتقادات و افتراضات المريض .. فتشوهها و تفرض افكار سلبية .. و هي عادة اصعب جزء في المرض لأنها الأكثر عمقا ..

أهم اعتقادات لدي مريض القلق الاجتماعي هي .. انا مختلف .. انا غريب .. انا ممل .. انا غبي .. انا غير جذاب .. انا غير محبوب .. لا استطيع التغير .. لا امل لدي .. لا أحد سيجبني .. الناس دائما يحكمون علي سلبيا .. هناك طريقة مثالية للتصرف في المواقف الاجتماعية لا اعرفها و لن أستطيع ان اعرفها


 عن الخجل

قد يكون الخجل اسهل في فهمه من القلق الاجتماعي .. لأنه اكثر شيوعا .. الابحاث أثبتت ان في امريكا عقب استطلاع رأي أن خمسة في المائة من الشباب ينكرون انهم خجولين .. بينما البقية الباقية لم تنكر ..

دائما ما يتبادر سؤال الي الذهن .. هل الخجل نوع من انواع القلق الاجتماعي ام انهما مختلفين .. الحقيقة ان هناك عناصر مشتركة و عتاصر مختلفة .. ولكن الاجابة الحاسمة على هذا السؤال لا يستطيع ان يجزم بها احد .. لا توجد دراسات تثبتت تأكيد او نفي الاجابة .. ولكن اكبر عنصر يستدل عليه من يزعم انهم مختلفين هو ان الخجل ظاهرة قد تحل في مرحلة معينة من العمر ثم تنصرف و كأنها لم تأت .. اما القلق الاجتماعي فمرض مقيم ..

اما عن اعراض الخجل .. فيتكون من حالة انكماش من المواقف الاجتماعية .. و الانسحاب الي النفس .. و عادة هناك نوعان من الخجل .. الاول .. حالة الانكماش عند الاطفال حديثي السن عندما يتعرضون الي اشخاص جدد بخلاف الاب و الام .. هذه حالة تسود اطفال العالم .. لا توجد طريقة لتجنبها بالاضافة الي عدم وجود ضرورة لتجنبها .. فهي ظاهرة على اية حال تنصرف مع الوقت .. اما النوع الثاني .. فهو الذي يمر به الناس و شبيه بالقلق الاجتماعي .. فالخجول ايضا يخشي التقييم و الحكم بالاخرين .. و يكون بطبعه حساس ..

هناك مفاهيم تحتاج الي ايضاح .. كالانطوائية .. فالانطوائي هو الذي اذا خير بين نشاط يستلزم وجود آخرين و نشاط لا يستلزم سواه سيختار الاخير .. الانطوائي يجد متعته في الانشطة التي يمراسها هو وحده مع نفسه .. لا يجد متعة في الانشطة الاجتماعية .. و ليس معني هذا ان الانطوائي خجول او بالضرورة مصاب بالقلق الاجتماعي .. ذلك لأن الخجول او القلق اجتماعيا يقلق و يخشي مواجهة المواقف الاجتماعية اما الانطوائي فلا يخشاها و لا تقلقه و لكنه ببساطة لا يختارها .. و هذا ايضا يعني ان الخجل او القلق الاجتماعي قد يصيب الانطوائي و غير الانطوائي

الآثار الكبري للخجل تتلخص في .. الادراك الزائد للذات .. افكار سلبية بأن من حولك يقيموك .. ايمان بأنك غير محبوب .. التجنب او الانسحاب من المواقف الاجتماعية .. رغبة عالية في الانكماش الذاتي .. رغبة في عدم المشاركة فيما هو عام .. صعوبة في ان تكون مبادر و في التعبير عن نفسك .. الشعور بالقلق و الاحباط و عدم السعادة .. اعراض جسمانية كالعرق و الاحمرار ..

ينصح كثيرا لمصابي الخجل التعبير عن انفسهم بشتي الطرق لتجاوز مشكلتهم .. كما ان المصابين بالخجل دائما ما يتجاهلوا اي حقيقة ايجابية عن انفسهم عن عمد .. و اذا ما سئلوا عن رأيهم في انفسهم .. تجد اجابتهم أسوا من أسوأ رد من الممكن ان يتخيله احد ..



5- أنماط القلق الاجتماعي

القلق الاجتماعي قد يكون مرتبط بموقف بعينه لدي المريض او بكل المواقف عموما .. و أحيانا يستطيع المريض ان يتكيف معه .. حتي حد معين .. و عندئذ يظهر و يؤثر بشكل سلبي كبير على حياة المريض .. فمثلا .. من الممكن ان يكون هناك موظفا محتهدا و مريض بالقلق الاجتماعي و لكنه تعود ان يعمل وحيدا و لذلك استطاع ان يتكيف .. حتي يكافأ بترقية تملي عليه مسئوليات اجتماعية معينة ترهبه .. كالاجتماعات مثلا .. عندئذ يرفض المريض الترقية و يظل عالقا في منصبه الصغير و لا يتقدم .. يحدث هذا كثيرا للمرضي العاملين .. عندئذ لا يذوقون في حياتهم الرضا الوظيفي و لا يعرفوا معني ان يستغل المرء قدراته ليتقدم في عمله .. و رغم ان المريض اعتقد انه بذلك أمن من الشر الذي يرهبه الا انه رغم ذلك لا يكون راضيا .. و يظل حبيس الوحدة و العزلة التي لا يختارها .. فالوحدة و العزلة في حد ذاتهم ليسوا مذمومين .. بل ان هناك عباقرة على مستوي العالم و مر التاريخ كانوا يفضلون الوحدة و العزلة .. و لكن هذا حدث باختيارهم الواعي الشخصي .. اما ان ترغم على أمر لا يحلو لك طيلة عمرك فهو أمر شاق .. هذا هو حال مرضي القلق الاجتماعي .. لأنهم على الدوام في حصار .. الخروج منه مستحيل عليهم نظرا لطبيعة مرضهم .. و المكوث فيه مؤلم ..

6- مفاهيم مغلوطة

القلق الاجتماعي يختلف عن حالات أخري قد تتشابه .. هناك مثلا رهاب الأداء العلني .. و هو الخوف الشديد المفرط من القيام بأداء علني أمام جمهرة كبيرة من الناس .. كالخطبة في مسجد كبير او القاء اما جمهور في مسرح او ندوة .. التشابه هو أنه خوف من موقف اجتماعي محدد .. و لكن الفرق أن المريض بالرهاب الاجتماعي يخشي تقييم الناس .. اما حالة رهاب الاداء العلني فهي خشية من تقييم الذات

7- مدي انتشار الرهاب الاجتماعي

الأبحاث الآن تؤكد ان هناك من 3 الي 13% مصابين باضطراب القلق الاجتماعي في اي مجتمع .. و عندما تكون المريضة امرأة .. تتوجه للطبيب النفسي بلا مشقة كبيرة .. أما للأسف اذا كان المريض ذكر .. فان نادرا ما يذهب احدهم الي الطبيب النفسي .. بل يذهبون الي الحانات للسكر ..



4- ما بعد التعريف

ماذا تعني عمليا الاصابة بالرهاب الاجتماعي .. لقد سردنا تعريف و أعراض .. فكيف يعيش المصاب باضطراب القلق الاجتماعي واقعيا .. لأن كل ما ذكر لا يعبر بعدل عن المعاناة لدي المريض

يمكن وصف المعاناة و تبعاتها بستة طرق يحيا بهم المريض

اولا : طرق ماكرة و خفية للتجنب

المريض بالرهاب الاجتماعي يعمل على الدوام لتجنب المواقف الاجتماعية التي ترهبه .. سواء كانت بعض المواقف أو كل المواقف .. و جدير بالذكر ان هناك من المرضي من لا يتجنب الموقف بصورة كلية .. و لكنه يحضر الموقف الاجتماعي و لكن يستخدم وسائل ماكرة للتخفي او تجنب أثر الموقف الاجتماعي عليه .. فيجنح المريض مثلا الي عدم دخول مكان مملوء بالناس الا في صحبة أحد و يمتنع عن الدخول منفردا .. أو تجده يتبني كل ما يمت للخدمة بصلة حتي يتسني له أن يروح و يأتي سريعا متعللا بالقيام بأشياء هامة .. و هي بالفعل هامة و لكنه لم يبني هذا السلوك الا للهروب من الاضطرار الي مواجهة الموقف بشدة .. أو تراه يلجأ الي التأجيل في كل الأحداث الاجتماعية التي ترهبه و يعزف عن الاعتراف بعدم قدرته على مواجهتها .. أو تجده يفر من كل من يتعمد أن يقترب منه .. أو يعمد الي عدم الحديث في أمور شخصية اذا ما زج به اضطرارا في حديث ما .. و هناك صنف من المرضي يمتنع تماما عن استخدام يديه عند الكلام خوفا من التحديق فيها و هو أمر يقلقه .. و هناك صنف آخر لا يمارس أي نشاط شخصي طبيعي في العلن أبدا .. كالأكل خراج بيته .. و تكمن المشكلة في أن الامتناع يريح المريض كثيرا و يجنبه ويلات قلقه .. و لكنه ان لم يواجه الموقف الذي يرهبه و لن يكتشف أنه غير خطر اطلاقا كما يفترض

ثانيا : السلوكيات الآمنة

من البديهي الآن الاستنتاج أن العنصر المهدد لمريض الرهاب الاجتماعي هم الناس .. و تتبلور المواقف المرهوبة في الأحداث الاجتماعية و الاختلاط الاجتماعي .. كطرح سؤال مباشر على المريض .. أو تقديم المريض لناس جدد .. أو مجرد الاستفسار عن رأيه في أي موضوع يدور .. و بالتالي يبتكر المريض لا اراديا او اراديا أساليب ليكون بها آمن .. كالنظر الدائم الي الارض .. و ذلك مثلا يقيه من النظر الي أعين الناس مباشرة .. او تجنب ارتداء ملابس ملفتة .. لكي لا يسترعوا أي انتباه ممن حولهم .. أو اذا ما زجوا الي اجتماع في غرفة مليئة بالناس يقوموا فزعين بالانصراف مباشرة بعد انتهاء الاجتماع الرسمي هروبا من اي اختلاط قد يحدث ..

من أهم و أشهر السلوكيات الأمنة التي يتبعها المرضي بالرهاب الاجتماعي .. عمل بروفة على ما يود أن يقول في موقف قبل مجابهته .. و ذلك للتأكد من وجود كلمات مناسبة تلافيا لأي فرصة وقوع في احراج يسبب الي قلق .. كذلك التحدث ببطء شديد أو سرعة شديدة .. اخفاء اليدين أثناء التكلم .. القبض على الأشياء بعنف خوفا أن تفلت و تتسبب في موقف محرج .. و عدم المخاطرة بالقاء دعابة .. و يعمد المريض الي عدم الافصاح عن نفسه بأي شكل منطوق و لا عن أحاسيسه و لا عن أفكاره و آراءه .. كما يدعي دائما الموافقة على كل ما يطرح أمامه من رأي لكي يجنب نفسه مشقة التعبير عن نفسه .. و يفضل أن يتحرك دائما بصحبة شخص يعرفه تمام المعرفة ليأمن أي شرور منه و ليستعين به على مواجهة الناس ممثلا له عنصر الأمان .. أو يفضل ألا يذهب –اذا ما كان لديه الخيار- الا الي الأماكن التي يعرفها فقط لأنها له الأماكن الآمنة .. و عندما يحل ضيفا على مكان .. دائما ما يركز بصره تلقائيا على أقرب مخرج ليفر اليه عندما تسنح الفرصة .. و بالتالي لا ينخرط تماما في أي موقف يحل به ..

ثالثا : المبالغة في التفكير في المشكلة المرهوبة

الخوف من الموقف المرهوب دائما ما يسكن رأس المريض .. دائما ما تدور في مخ المريض .. مجرد التفكير في أي موقف اجتماعي قريب .. يجعل أفكار مخيفة تنهال على خيال المريض .. و بالأخص أفكار ترسم فشل المريض في التعامل مع الموقف الاجتماعي .. دائما ما تتولد أسئلة عديدة في بال المريض .. منها .. ماذا لو لم أجد كلمات مناسبة للتفوه بها .. كيف سينظرون الي .. سأجعل من نفسي اضحوكة لا شك .. الأفضل ألا أذهب .. سوف لن يحترمونني .. و بالتالي .. من الصعوبة و المشقة أن يحيا المريض في الايام التي تسبق اي حدث اجتماعي يكون مدعوا فيه .. الآخرون قد يعيشون في استعدادت جميلة .. و بهجة واعدة .. أما المريض فيتأرجح بين الأفكار المرعبة ..

الأدهي و الأمر أنه بعد أن ينتهي الحدث الاجتماعي المرهوب .. حتي لو مر بسلام تام و بلا اي منغصات .. يظل عقل المريض يفكر و يعيد التفكير في بعض الأحداث و يضخمها و يترجمها الي سلبيات تستحوذ عليه باله و تملأه بالخوف و الذعر .. بحيث يركزون على موقف يعتقدون أنهم أساءوا فيه الصنع .. و ينسجوا في مخيلتهم رأي الناس السلبي فيهم و كيف أن هؤلاء الناس احتقروهم و قللوا من شأنهم بسبب ما اقترفوا .. و تبدأ خيوط النقد الذاتي .. فيهمس المريض لنفسه داخليا .. " أنا عديم الفائدة " .. " أنا أرعن " .. و المؤسف أن معين الاتهامات السلبية التي يوجهها المريض لنفسه لا تنضب أبدا .. و لكن من اللافت للنظر أن كل التخيلات السلبية التي تدور في عقل المريض يبنيها على أساس تفسيراته الخاصة لما حدث في الموقف الاجتماعي و ليس ما حدث بالفعل .. التخمين و البناء عليه يلعب دور كبير في عقل المريض .. هذا بالطبع يحدث لا اراديا .. و لكنه سيكون احدي محاور الخروج من هذه الأزمة عندما نصل الي الجزء الخاص بكيفية تجاوز هذا المرض

رابعا : تقدير الذات ، الثقة بالنفس و الشعور بالدنو

اضطراب القلق الاجتماعي يجعل المريض يقتنع بأنه مختلف عن الآخرين .. سلبيا .. بأنه أقل منهم .. و غريب .. و بذلك تؤثر على تقديرهم لذاتهم .. ( و المقصود بتقدير الذات هي القيمة التي يمنحها المرء بنفسه لنفسه ) .. و كذلك تؤثر على ثقتهم بأنفسهم .. ( و المقصود بالثقة بالنفس هو الايمان بقدرة المرء على فعل الأشياء ) .. يقتنع المريض بأن من حوله سيتجاهلونه عن عمد .. و سيرفضونه .. و يفسرون كل ما يوجه اليهم من قول أو فعل أنها علامات سيئة تؤيد وجهة نظرهم في أنفسهم .. لذلك يعيش هؤلاء المرضي في حياة مؤسفة تجعلهم يرون الحياة كمحطات يتفادون الوقوع فيها .. فيظلون على الدوام على أهبة الاستعداد للهروب مما يهددهم .. و هي حياة مقلقة ..تجبرهم على دفن ذواتهم الحقيقية في مقابل حماية أنفسهم من الأخطار التي يرونها تتجهمهم ..

خامسا : الفوضي ، الكآبة ، الاحباط و الاستياء

لأن هذا المرض و هذا الخوف و ما يتلوه من دفن للذات تحسبا للمخاطر .. لأن كل هذا دائم .. فينحدر المريض الي حياة سوداوية .. مليئة بالاحباطات و فقدان الرغبة

سادسا : التأثير على الأداء

في حالات الاضطراب الشديدة أي في درجات الرهاب الاجتماعي العالية .. المشكلة القصوي .. أن هذا المرض يتدخل في حياة المريض بصورة كبيرة و عظيمة و ملموسة .. و حتي في أبسط محاولات المريض لتحقيق أيا مما يرغب فيه .. و يمنعهم منعا باتا من التعامل مع الحياة بما هم جديرون به .. لأنها تزعزع من قدرتهم و تحطمها .. و تحرمهم من تحقيق أحلامهم المشروعة المتاحة .. و تسلبهم متعة بذل أقصي ما عندهم .. و للأسف على المدي الطويل للحالات التي لا تسعي للعلاج .. قد تؤثر سلبيا على حياتهم العملية و الشخصية و على مستوي صداقتهم و عملهم و حتي أنشتطهم الترفيهية


3- عن أعراض الرهاب الاجتماعي

تتلو خطوة التعرف على المرض .. خطوة التعرف على أعراضه .. اي ما الذي يحدث لمريض القلق الاجتماعي .. كيف يؤثر المرض عليه بشكل مباشر .. و يجب التنبيه على أنه لا يتطابق مريضين في الاعراض و عندهما نفس المرض .. اي قد يتواجد مريضين بالبرد .. ينتاب احدهم الحمي و الآخر رشح .. و لكن الاول لا ينتابه رشح و الثاني لا تنتابه الحمي .. رغم أن لديهم نفس المرض .. كذلك الاعراض التي سنذكرها تخضع لنفس المنطق
اضطراب القلق الاجتماعي تظهر أعراضه على أربع مستويات على التوازي .. فهو يؤثر على التفكير .. و السلوك .. و الجسد .. و المشاعر
أما أول مستوي .. التفكير .. فأعراضه تكون على اي من النحو التالي .. قلق من رأي الناس عنك كمريض .. صعوبة في التركيز او تذكر ما قيل لك .. تركيز مفرط في الانتباه على الذات بحيث يكون المريض مدرك بشكل مؤلم لكل أفعاله و كلامه .. تنبأ بالسئ من الاحداث خاصة الاحداث الاجتماعية قبل حدوثها .. اسهاب في التفكر في ما يظن المريض انه أساء التصرف فيه أثناء حدث اجتماعي بعد حدوثه لفترة طويلة .. خواء و فراغ يهاجم المخ خاصة في احداث اجتماعية
أما المستوي الثاني .. السلوك .. فأعراضه كالتالي .. التحدث بسرعة شديدة او ببطء شديد .. التلعثم في الحديث .. تجنب النظر الي العيون مباشرة .. ممارسة افعال معينة للحرص على عدم لفت الانتباه في الاحداث الاجتماعية .. التمسك بالأمان و معناه متشعب فقد يكون التمسك بمكان آمن او أشخاص آمنين يكون المريض معهم متحصن من القلق و يأبي أن يتخلي عنهم .. التجنب الواضح لأحداث اجتماعية معينة
ثم نأتي للمستوي الثالث .. الجسد .. و تكون أعراضه .. علامات القلق المرئية للغير كالاحمرار و العرق و الارتعاش .. الألم و الوخز الباطني الناجم من التوتر .. اعراض الهلع كازدياد ضربات القلب و سرعة التنفس
و أخيرا المستوي الرابع .. المشاعر .. و اعراضه .. العصبية (اضطراب في الاعصاب و ليس المقصود الغضب) .. الخوف المستمر .. الوعي المفرط بالذات .. خيبة الأمل .. الغضب على الذات .. الغضب على الآخرين .. غياب الثقة بالنفس .. احساس بالتهميش .. الحزن .. الاحباط .. فقدان الامل في التغير الايجابي
و في الواقع تتداخل هذه المستويات الي صراعات داخلية مريرة


2- ما هو اضطراب القلق الاجتماعي

القلق الاجتماعي حالة يمر بها غالبية الناس .. البعض يرجع السبب الي الخجل في الشخصية .. و البعض يري انه لا علاقة له بالخجل .. اذ من الناس من ليس خجول و تمر به فترة في حياته في قلق اجتماعي .. يهجم هذا النوع من القلق على المرء عندما يعتقد انه قد يفعل أمر يدعو الي الاستهزاء أو الاحراج .. القلق الاجتماعي يجعل المرء يؤمن أن من حوله يطلقون عليه أحكاما من أفعاله .. و أحكام في يقينه سلبية .. من ذا الذي يريد ان يكون طرفا في حوار و هو يعتقد أن حواره سيكشف عن نقص ما أو سيستثير احمرار الوجه .. هكذا يظن المصاب بالقلق الاجتماعي .. هو يظن ان حواره مع الناس سيكشف عيوبه الكثيرة و ضعفه المفرط و غرابته عنهم بصورة مؤلمة .. هو يظن أنه لو تحاور سيؤول الامر الي ان يتجاهله الناس و يسخرون منه و يرفضون التواجد معه عندما يلحظون عيوبه .. و لذلك المصاب بالقلق الاجتماعي يجد مشقة بالغة في التعامل مع الناس .. في الحديث مع من حوله .. في الاستماع الي غيره .. في صنع أصدقاء .. و عادة ما ينتهي الأمر بالمصاب بالقلق الاجتماعي الي وحدة .. لأن مرضه يمنعه من أن يكون حميميا أو منفتحا مع صديق او شريك حياة في حالات المرض القصوي .. و وفي حضرة الناس يكون في منتهي الضيق .. و يشعل القلق داخلهم .. و بالتالي لا توجد لديهم القدرة و المساحة لاظهار مميزاتهم .. الاضطراب يفقدهم القدرة على اظهار مميزاتهم و المساحة للتعبير عن انفسهم .. و بالتالي تخفي عنهم هم أنفسهم .. و بالتالي تتلاشي ثقتهم في انفسهم
المصاب بهذا النوع من الاضطراب و يتجه للعلاج النفسي لابد ان يعلم ان الشفاء التام الي هذا اليوم مستحيل .. أقصي ما سيصل اليه هي التحكم في مدي الألم الناجم من الاختلاط اجتماعيا .. و التجكم في توابع هذا الألم .. و هنا من المهم ان نعرف اضطراب القلق الاجتماعي المسمي ايضا الرهاب الاجتماعي
علميا هناك أربعة نقاط اذا توافرت جميعها في الشخص .. شخصت حالته بالرهاب الاجتماعي

اولا : خوف ملحوظ و مستمر من موقف اجتماعي او اكثر او موقف يستدعي الأداء في العلن أو أكثر .. بحيث يتعرض المريض لأفراد غير مألوفين له أو يتعرض للحكم من قبل آخرين .. و بحيث يكون بداخله خوف من انه قد يأتي فعلا (او يظهر احد اعراض القلق) مذلا له او محرج .. مع العلم ان هذا الفرد قد لا يأتي بفعل مذل له او محرج و انما مجرد يكون هذا التفكير يملأ رأسه .. و بالنسبة لاظهار اعراض القلق كالاحمرار .. قد لا يظهر الفرد اي من اعراض القلق .. ولكن يكون كل التفكير فيها

ثانيا : التعرض للموقف الاجتماعي المخيف غالبا ما يثير القلق بشكل ثابت .. في اغلب الاحيان يكون الموقف المرهوب من قبل المريض لا يستدي الرهبة .. و يكون محدد و متكرر .. كالدخول في غرفة مملوءة بالناس .. الاكل امام الناس .. و يفصل بين المريض بالقلق الاجتماعي و الانسان العادي الذي قد يقلق لطبيعة حداثة الموقف .. هو ان القلق الطبيعي يأتي ثم يتلاشي .. اما القلق المرضي فيأتي و يتضخم و يأبي الرحيل
ثالثا: المريض باضطراب القلق الاجتماعي يدرك -هو نفسه- ان خوفه من المواقف التي ترهبه .. خوف مفرط و سببه غير منطقي .. يعلم المريض في قرارة نفسه ان المواقف التي ترهبه ليست بحجم الخطورة الذي يعتقده .. و أن الناس لا يخيفهم مثل هذا الموقف .. و مع ذلك لا يستطيع الا يخشاها .. و هذه احدي الصراعات الداخلية لدي المريض ..
رابعا: الموقف المرهوب على الدوام يسعي المريض الي تجنبه .. و ان اضطر اضطرارا الي مواجهته .. فالمريض يواجهه بقلق و معاناة شديدة .. و هذا طبيعي .. الهروب و التجنب سمتان اساسيتان عند هذا النوع من المرض .. و جدير بالذكر ان هذا المريض ممزق بين رغبتين حارقتين .. رغبته في الاختلاط الاجتماعي كأي فرد عادي .. و مرضه الذي يدفعه الي الوحدة و تجنب الناس .. حيث تتحول اللقاءات العادية مع الناس و التسوق و السفر و العمل و ما الي ذلك الي معاناة بدرجة عالية
و أخيرا .. يجب التفرقة بين القلق الاجتماعي الذي ينتاب كل الناس و الذي لا يوصف على انه مرض يستدعي طبيب و علاج .. و اضطراب القلق الاجتماعي المرض الذي يستدعي طبيب و علاج .. فالحالة لا توصف بالمرض الا اذا تحقق الشرطين الآتيين بلا غياب لأحدهما .. اولا: المشكلة تتدحل في حياة المريض بدرجة باهظة و لها بصمة ملموسة في عرقلة حياته و ما يتعلق باجتماعياته .. ثانيا: لابد من وجود المشكلة و استمرار تأثيرها لمدة لا تقل عن ستة أشهر متوالين .. هذان الشرطان هما الفيصل بين الاحساس العابر العادي و المرض
و نضيف بأن هناك نوعين طبيا من هذا المرض .. اولا: حالة قلق من موقف اجتماعي واحد .. و في هذا الموقف فقط تتحقق كل الشروط .. وتسمي "اضطراب القلق الاجتماعي المحدد" .. أما النوع الثاني فيسمي " اضطراب القلق الاجتماعي العام" .. و من اسمه معناه ان جميع المواقف الاجتماعية تنطبق عليها كل الشروط و ليس موقف واحد بعينه 



هل أعجبك الموضوع ؟

0 التعليقات:

إرسال تعليق