“البارئ” هو المنشئ للأشياء والمخلوقات من العدم إلى الوجود، والبرء هو التنفيذ، وإظهار ما قدره وقرره، وليس كل من قدر شيئاً ورتبه يقدر على تنفيذه وإيجاده سوى الله عز وجل.
و”البارئ” في أسماء الله تعالى هو الذي خلق الخلق لا عن مثال، والبرء أخص من الخلق، هو اسم ذات من أسماء التنزيه، يعني خلق المخلوقات على نحو يحقق سلامة وجودها، والغاية من خلقها، “صنع الله الذي أتقن كل شيء”.
وقال العلماء: البارئ الذي يبرئ جوهر المخلوقات من الآفات، وهو معطي كل مخلوق صفته التي علمها له في الأزل، وبعضهم يقول إن اسم البارئ يدعى به للسلامة من الآفات.
وورد الاسم في القرآن مراداً به العلمية ودالاً على كمال الوصفية في قوله تعالى: (هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى)، وورد مقيداً في قول موسى عليه السلام لقومه: (فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم).
وفي ذلك يري إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - أن الخالق شيء، والبارئ شيء آخر، فخلق أي أوجد الشيء من عدم، البارئ أي سوّاه على هيئة مستقيمة، وعلى أحسن تقويم، وهنا يقول الله تعالي (الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى)، ومن ثم تعرف أن الخلق شيء والتسوية شيء آخر، فقوله تعالى (فتوبوا إلى بارئكم) مأخوذة من بريء السهم، وبريء السهم يحتاج إلى دقة وبراعة فائقة جداً.
ولا شك أن إثبات الإبداع، والاعتراف به للبارئ عز وجل ليس على أنه أبدع بغتة من غير علم سبق له مما هو مبدعه، لكن على أنه كان عالما قبل أن يبدع فكما وجب له عند الإبداع اسم البديع وجب له اسم البارئ.
الصنعة البديعة
والبارئ تعني الصنعة البديعة الجميلة التي لا يعرف أن يأتي بمثلها أحد على الإطلاق إلا الله سبحانه وتعالى الذي قدر الأشياء وقال لها كن فيكون، ومن هنا بات البارئ على خلاف الخالق، فالبارئ هو صاحب الصنعة الرائعة التي لا مثيل لها، وليس هناك أبدع واروع من تكوين الإنسان نفسه الذي خلقه الله.
و”البارئ” يعني أن الله عز وجل هو الخالق على نحو خاص، لتحقيق الهدف، فجاءت وظيفة المخلوق بأعلى درجة من الكمال، لأن الذي خلقه قد سواه، والبارئ هو الذي أبرأ الخلق، وفصل كل جنس عن الآخر، وصور كل مخلوق بما يناسب الغاية من خلقه.
واسم الله البارئ يدل على ذات الله وعلى البراءة من العيب، المتصف بالجلال والكمال، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها).
والبارئ سبحانه له الكمال المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله، وتنزه عن كل نقص، وتقدس عن كل عيب، لا شبيه له ولا مثيل، ولا ند له ولا نظير، وهو واهب الحياة للأحياء، الذي خلق الأشياء صالحة ومناسبة للغاية التي أرادها، وهو الذي يتم الصنعة على وجه التدبير ويظهر المقدور وفق سابق التقدير، والاسم يدل على الحياة والعلم والقدرة، ويدل على الغنى والقوة والعظمة والحكمة، وغير ذلك من صفات الكمال.
وورد اسم الله البارئ في دعاء المسألة فيما رواه أحمد وصححه الألباني من حديث عبد الرحمن التميمي أن جبريل عليه السلام علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول “أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ”.
وروى مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: “كان إذا اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم رقاه جبريل قال باسم الله يبريك ومن كل داء يشفيك ومن شر حاسد إذا حسد وشر كل ذي عين”.
الموحد والمبدع
ولخص بعض العلماء القول في معنى البارئ على انه هو الموجد والمبدع، الذي فصل بعض الخلق عن بعض أي ميز بعضه عن بعض، ويدل على أنه تعالى خلق الإنسان من التراب .
وقال الزمخشري، البارئ هو الذي خلق الخلق بريئاً من التفاوت، وقال القرطبي، البارئ هو المنشئ المخترع.
وقال الحليمي هذا الاسم يحتمل معنيين، أحدهما الموجد لما كان في معلومه من أصناف الخلائق، وهو الذي يشير إليه قوله عز وجل: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير)، ولا شك في أن إثبات الإبداع والاعتراف به للبارئ عز وجل ليس على أنه أبدع بغته من غير علم سبق له بما هو مبدعه، لكن على أنه كان عالما قبل أن يبدع. والثاني، أن المراد بالبارئ قالب الأعيان أي أنه أبدع الماء والتراب والنار والهواء لا من شيء ثم خلق منها الأجسام المختلفة كما قال عز وجل: (وجعلنا من الماء كل شيء حي)، وقال: (ومن آياته أن خلقكم من تراب)، وقال: (إني خالق بشرا من طين)، وبهذا يكون معنى البارئ الموجد والمبدع، والبرية الخلق، وهو بارئ لأنه أبدع تلك الأجسام وأخرجها من العدم إلى الوجود وكانت يمين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه التي يحلف بها والذي فلق الحبة وبرأ النسمة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق