مجزرة صبرا وشاتيلا: أسباب وشهادات



سبتمبر من عام 1982 قتل بشير الجميل، رئيس لبنان المنتخب حديثاً، في هجوم بالقنابل على مقره في بيروت، وهي محاولة الاغتيال الثانية، حيث قام حسان وهبي ، من الحزب السوري القومي الاجتماعي بمحاولة سابقة في عام 1980، ادت الى قتل طفلة بشير، مايا، على الاغلب بطلب من سوريا. في هذه المرة اعتقد اتباعه، على الفور، ان الفلسطينيين هم الفاعلون، هذه المرة، وصاروا يطالبون بالثأر. 

المجازر في صبرا وشاتيلا حدثت، تحديدا، بعد يومين من عملية اغتيال الرئيس اللبناني بشير الجميل. كان الرئيس بشير رئيسا ايضا للجناح اليميني في الحركة المسيحية، المتمثلة بحزب الكتائب،. كما انه كان القائد الاعلى لميليشيا " القوات اللبنانية". 

خلال الحرب الاهلية قاتلت ميليشيا القوات اللبنانية ضد ميليشيات السنة والدروز واليسار، والذين بدورهم قاتلوا دفاعا عن الحركة الفلسطينية، وبقائها مسلحة على الارض اللبنانية. لذلك فالحركة الفلسطينية قاتلت الى جانبهم، ضد القوات اللبنانية، في الحرب الاهلية على ارض لبنان. عدا عن ذلك كانت قوات "الطرف الاسلامي" تطالب بتغيير الدستور والحصول على المزيد من السلطة. بذلك تحولت الحركة الفلسطينية الى عدو رئيسي للقوات اللبنانية. 

بطبيعة الحال حصلت القوات المسيحية على دعم من طرف اسرائيل والتي قامت بأجتياح لبنان عام 1982. عندما تم أغتيال بشير الجميل اعتقد الكثيرون ان الفلسطينيين هم الفاعلون. في اليوم التالي دخلت القوات الاسرائيلية الى الجانب الغربي من بيروت حيث المخيم الفلسطيني شاتيللا. قامت القوات الاسرائيلية بتطويق المخيم وسمحت " للقوات اللبنانية" بدخول المخيم. بعد المجزرة ظهر ان اغتيال بشير الجميل قام به حبيب الشرتوني، ايضا من الحزب القومي السوري الاجتماعي القريب من سوريا. 


اسبوعين قبل تطويق مخيمي صبرا وشاتيللا نجحت اسرائيل في إجبار منظمة التحرير الفلسطينية وبقية التنظيمات الفلسطينية المسلحة بالخروج من لبنان. كانت القوات الاسرائيلية قد حاصرت بيروت بضعة اشهر وفي النتيجة اعترف ياسر عرفات بالهزيمة. ارسلت الولايات المتحدة الامريكية وايطاليا وفرنسا قواتهم من اجل مراقبة تنفيذ الاتفاق وانسحاب منظمة التحرير الفلسطينة من لبنان. 
اخر جندي فلسطيني ترك لبنان في واحد سبتمبر من عام 1982 واصبح الاف الللاجئين الفلسطينيين في المعسكرات بدون حماية. حسب الاتفاقية مع عرفات كان يجب على القوات الدولية ان تضمن أمن اللاجئيين الفلسطينيين المدنيين، ولكن تلك الدول قامت بسحب قواتها في 11 سبتمبر.

في نفس الوقت قامت اسرائيل بتوجيه الاتهام الى منظمة التحرير انها تركت 2000 جندي في لبنان بما فيه في مخيم شاتيللا. لهذا السبب كان المخيم اول هدف لأسرائيل عندما احتلوا غرب بيروت 14 سبتمبر. غير ان كل المؤشرات تشير الى ان منظمة التحرير الفلسطينية سحبت فعلا جميع قواتها. 

بعد المجزرة توجه الى اسرائيل اشد الاتهامات. الجنود الاسرائيليين الذين قاموا بمحاصرة المخيمات كان يتفرجون من مواقعهم على المجزرة بدون ان يتدخلوا. لقد سمحوا للميليشيات بالدخول واضاءوا لهم السماء. حسب الشهود شاركت ايضا قوات من الجيش اللبناني الجنوبي، والذي مولته وسلحته اسرائيل، بالذات للقتال ضد منظمة التحرير في جنوب لبنان. وحتى في اسرائيل خرجت المظاهرات تحتج على الجريمة. في تل ابيب وحدها خرج 300 الف متظاهر ( لو حدث هذا عندنا كانوا اعتبروهم عملاء). 

من أجل تهدئة المحتجين شكلت الحكومة الاسرائيلية لجنة سميت لجنة كهان. توصلت اللجنة الى ان وزير الدفاع الاسرائيلي ارئيل شارون يتحمل المسؤولية بطريقة غير مباشرة، لكونه كان يعلم ان الميليشيات ستقوم بما قامت به. بنتائج ذلك اُجبر شاروون على الاستقالة. توصلت اللجنة الى ان المجزرة قضت على 8 الف شخص، مصادر اخرى تشير الى رقم 3500. الاسرائيليين اليمينيين اعتبروا ان اسرائيل دفعت ثمن جريمة ارتكبها المسيحيين، وعلى ذلك اجاب الكاتب الاسرائيلي اموز اوز:
" اذا دعوت الذئب لينام بضعة ليالي في بيت للاطفال، لاتستطيع بعد ذلك ، ان تنظر الى الجثث وتقول، متنصلا من المسؤولية، انك اتفقت معه على أن يغسل لهم شعرهم فقط". 


الفلسطينيين والعالم اعتبروا ان شارون هو الذي يتحمل المسؤولية الرئيسية للمجازر. عام 2001 أقام الفلسطينيون دعوى على ارئيل شارون في محكمة بلجيكية بتهمة جرائم حرب. أزداد الامل بالحصول على حكم ايجابي عندما قام ايليا حبيقة، أحد قادة الميليشيات التي هاجمت المخيمات، بالتصريح أنه سيشهد في المحكمة ضد شارون. ولكن قبل بدء المحاكمة جرى اغتيال حبيقة بسيارة مفخخة. فيما بعد اشارت المحكمة البلجيكية الى عدم إمكانية فتح التحقيق. 

شهود عيان من شاتيلا
من نافذة منزلها على حافة المخيم الفلسطيني شاتيللا، ترى المرأة اللبنانية هند  الاضواء المتساقطة المنذرة بالشر. الساعة كانت السادسة والنصف من يوم 16 سبتمبر من عام 1982، والظلام بدأ يخيم فوق بيروت. ولكن في الجانب الغربي من العاصمة ، حيث تسكن هند واطفالها الثمانية، اصبح الليل كالنهار. هند تراقب بقلق الهبوط البطئ لقنابل الاضاءة الفسفورية التي تلقيها اسرائيل، بمظلات صغيرة، تغرق كل شئ بأشعتها الصفراء السامة. الطيران الاسرائيلي قام بقصف المخيم طول النهار ، وقنابل الاضاءة تشير الى انهم الان يجهزون لارسال المشاة الى المخيم. تأخذ هند اطفالها الثمانية وتخرج من البيت. كانت تتأمل ان رؤية الاسرائيلين لامرأة مع اطفالها الثمانية ستعشرهم انها لا تشكل خطرا. 


بعد لحظات ترى 50-60 شخصا، مسلحين وبملابس عسكرية خضراء يتقدمون في اتجاهها. كانت تسمع انهم يتكلمون اللبنانية وينادون بعضهم اسماء مثل " جورج" و " الياس". 

خلف الجنود تتقدم مكائن ثقيلة تقوم بتهديم المنازل وتجعلها بمستوى الارض ويصعد منها غيمة من الغبار الكثيف في اتجاه السماء الصفراء. هند عاصرت سبعة سنوات من الحرب الاهلية، ولكن هؤلاء الجنود ومكائنهم جعلوها تشعر بالخوف. لم يحدث ان كانت خائفة هكذا من قبل. 

احدهم صاح بها : " تعالي الى هنا"، وحاول إمساك أحد الاطفال. 
صرخت هند الى الاطفال ان يهربوا الى خلف المنزل، ولكنها فجأة شعرت بألم في فخذها. لقد اصيبت بطلقة رصاص، والدم صار يسيل على قدمها، والاطفال دخلوا الى الدار من بابها الخلفي. 
وقف الجنود خارج البيت، في حين طلبت هند من الاطفال ان يحافظوا على الصمت. من داخل الظلمة تسمع رشات الرصاص واصوات بشر تصرخ من الرعب والالم. 

الطفل الفلسطيني منير محمد طلب النجاة في ملجأ ابو ياسر، في مخيم شاتيللا. في الملجأ يجلس هو مع أمه وثلاث شقيقات واخين. فجأة ينفتح الباب ويدخل رجال مسلحين الى الغرفة الممتلئة بالبشر. لقد طلبوا من الجميع الخروج، النساء والاطفال يؤخذون الى مكان آخر في حين يطلب من الرجال الاصطفاف قرب الحائط. تخرج الطلقات ويرى منير الرجال تتساقط بدون حركة. 


قرب محطة بنزين يأمر الجنود النساء الخائفات ان يتوقفن، والكثير من الجنود يختفون. بعد ساعة يعودون، وبدون اي انذار يبدؤون في إطلاق الرصاص على النساء. تصرخ النساء وتتساقطن واطفالهن فوق بعضهن البعض. بعد ان اصبح الجميع فوق بعضهم البعض يصرخ احد الجنود:" إذا كان فيكم جريح سنأخذه الى المستشفى، انهضوا حنى نراكم فنساعدكم". 
منير وأمه وشقيقاته كانوا جرحى. أرادت الام ان تنهض الا ان منير منعها، وهو يهمس: " لا تنهضي ماما، انهم يكذبون". هناك من نهض وتلقى على الفور طلقة من الرصاص. الجنود صاروا يتجولون بين الاجساد وهم يوجهون نحوهم ضوء قوي. كل من يصدر عنه انين او يتحرك يقتل على الفور. منير يستلقي بدون اي حركة على امل ان يعتقد الجنود انه ميت. قرب منير تستلقي امه وشقيقاته في بحيرة من دمائهم، لم يعد يحتاجوا الى تمثيل الموت. 

منير الذي لايتجاوز عمره 12 عاما، كان يرجف في برد الليل. كان طول الليل يستلقي بين الاموات بدون اي صوت. وعلى مدى بضعة ساعات كان منير يسمع كيف أن الجنود يغتصبون النساء ثم يقتلوهن. 
عندما اقترب احد الجنود من كومة الجثث ليلقي فوقهم غطاء، لم يستطع منير التوقف عن الرجفان. الجندي يطلق الرصاص على رأس الصبي، ولكن الحظ يسعفه، فهو يغطي وجهه بيديه والطلقة تصيب اصبعه، والجندي على ثقة الان ان الطفل ميت، فيغطيه. ولكن منير يبقى حيا. انه ينتظر طويلا حتى يعم الصمت الطريق. ينهض الطفل ويتسلل الى بيت فارغ. في البيت قام بتبديل ملابسه عندما دخل جنود. 
سألوه: " من انت"؟ 
أجاب:" انا لبناني". 
قالوا له: " لو كنت فلسطيني لقتلناك". 

الممرضة آن سونده كانت مضطربة وهي تنظر الى الرجال الذي دخلوا بالقوة الى مستشفى عكا، مسلحين وبملابس عسكرية خضراء بدون شعارات. الممرضة نروجية وعمرها 33 سنة، وتعمل في المستشفى متطوعة. تسأل الرجال بلغة عربية رديئة:" من الرجال؟" 
يجيبون بالانكليزية :"فلانغ". 
الممرضة تعرف عن الكتائب، ميليشاتهم تحمل اسم " القوات اللبنانية"، ورئيسهم هو الرئيس اللبناني الذي قتل قبل بضعة ايام. 
تسألهم:" عن ماذا تبحثون"؟ 
يجيب المسلحون بتوتر:" نبحث عن ارهابيين ومسلحين". 


في نفس الوقت يفحص بقية الرجال الاسرة والقاعات. في هذه المستشفى المكونة من خمسة طوابق يوجد 60 سرير. وبعد الهمسات عن حدوث مجزرة في المخيم قام العاملون في المستشفى بتقل المرض والجرحى الى منطقة اخرى. ولكن بقي مجموعة من الاطفال المعوقين وثمانية مرضى اخرين. احدهم فلسطيني عمره 15 عاما، جاء في اليوم السابق مساء بعد ان اصيب في المخبم في رجله، اثناء هربه من الميليشيا. الشاب اسمه مفيد وهو الاخ الاكبر للطفل منير. الجميع كانوا يجيبون على اسئلة الجنود انهم لبنانيين. عندما سألوا الصبي الشاب اجاب " فلسطيني". سحبوه من السرير على الفور واطلقوا عليه الرصاص. 

شاتيللا، الجمعة بعد الظهر. الميليشيا تجمع بقايا سكان المخيم، تقود قسم منهم وتعدم قسم في مكانه. ماهر سرور، صبي في الثالثة عشرة، يجري اخذه الى طرف المخيم مع بقية افراد عائلته، والديه وثمانية شقيقات وأشقاء. كانوا محاصرين بالمسلحين الذين طلبوا منهم ان يقفوا خلف بعضهم. فجأة غير الجنود رأيهم وامروهم ان يدخلوا الى البيت من جديد. منذ دخولهم اختبأ ماهر واحد أخوته في الحمام، قبل دخول الجنود. اخذ ماهر وشقيقه ينظرون الى ما يحدث من شق الباب. أنه يرى كيف ان احد اخوته الصغار اختبئ خلف مدراس/فرشة مستندة الى الحائط. بعد ثوان دخل الجنود الى القاعة وفتحوا النار مباشرة على العائلة. الاخ الاصغر المختبئ خلف الدراس انتفض عدة مرات قبل ان يسقط هو والمدراس. الرصاص اصاب الوادلين وبقية الاشقاء والجميع سقطوا صرعى الى الارض. توقف الجنود عن اطلاق النار وعم الصمت والهدوء. شقيقته الصغرى بدأت تزحف محاولة الوصول الى امها، غير ان الجنود يطلقون النار عليها بحيث ان رأسها يطير من مكانه. بعد دقائق يغادر الجنود الدار. 


شهود عيان من صبرا

مستشفى غزة في مخيم صبرا، السبت الساعة سبعة. 
في بقية مناطق بيروت الغالبية لايدرون شئ عما يحدث في المخيمات. في اليوم التالي يهاجم الميليشيات مخيم صبرا، المجاور لمخيم شاتيلا. 
الممرضة الامريكية ايلين سيغيل تعمل في مستشفى غزة، تفتح الراديو على الاخبار. في جميع القنوات تسمع ان الدوقة كراسي قد ماتت وان الحزن يعم موناكو. ولكن الممرضة تعلم ان شيئ ما يحدث في المخيم المجاور. منذ الخميس ومستشفى غزة يستقبل الجرحى المرعوبين. كانوا من الكثرة بحيث ان قسم منهم نام خارج المستشفى. والان قد اختفو، اذ ان الاشاعات القادمة جعلتهم يهربون بعيدا عن المخيمات. 

حوالي الساعة سبعة دخل المستشفى مجموعة من المسلحين. كانوا يلبسون الخوذ واسلحة رشاشة وراديو لاسلكي. كانوا يلبسون ملابس خضراء نظيفة وعليها شعار " القوات اللبنانية". كانوا يقولون انه سيجري التحقيق مع عمال المستشفى وان ذلك عمل روتيني، ولكنهم لم يقولوا عن ماذا. 

لقد جرى سوق ايلين وزملائها، كالاسرى، من مستشفى غزة الى الشارع الرئيسي ليمروا من امام منازل محروقة ومهدومة.شفلات ضخمة لازالت تقوم بتهديم المزيد من المنازل. بين الانقاض ترى ستائر وصور العائلة كما ترى اجزاء من اطراف جسم بشر. 
على طرفي الشارع ترى جموع مئات الفلسطينيين. بعض يرفعون اصابعهم بإشارة النصر عندما يرون اطباء وممرضات.، ولكن ايلين ترى نظرات الرعب تطل من عيونهم 
المزيد من افراد الميليشيا ينضمون الى الموكب، وبينهم فتاة بالملابس العسكرية. كانت الفتاة جميلة ، طويلة، وشعرها الاسود طويل، وعيونها زرقاء. تتقدم نحو الركب وتتوجه الى ايلين وجماعتها من الاجانب وتعنفهم، بالانكليزية، قائلة:" انتم لستم مسيحيين، المسيحين لايقومون بمعالجة الارهابيين الذين يقومون بقتل المسيحيين الاخرين". 

في النهاية يقودونهم الى حارة فرعية، ويطلبوا منهم الوقوف صفا امام الحائط. كان الحائط ممتلئ بثقوب الطلقات والبقع البنية الحمراء. تهمس ايلين الى زميلها قائلة:
" هل تعتقد انهم سيقتلوننا الان؟". يجيب زميلها:" نعم، أعتقد ذلك". 
بضعة دقائق يقفون في انتظار الموت، ولكن لاشئ يحدث. واحد اثر الاخر يغادر الجنود الموقع، عائدين الى شاتيلا وسلاحهم موجه نحو الارض، الى الفلسطيينين الذين كانوا متجمعين على الطريق الر ئيسي، تاركين الاسرى لوحدهم. 

الصلاة الجماعية على قتلى المقابر الجماعية

صبرا، صباح السبت الباكر. الميليشيات تقوم بالهجوم الاخير على صبرا وتقود اسراها من الفلسطينيين الى الملعب الرياضي الواقع غرب صبرا وشاتيلا. 

محمد ركن يسمع ضربات على الباب، ينفتح الباب ويرى مجموعة مسلحة. بغضب يسألوه لماذا هو ليس في الخارج مع البقية. يتناول الفلسطيني ذو الخمسين من العمر كتابه وسجائره ويخرج. كان محمد يعمل رسام وقد عمل في الكثير من الكنائس والجوامع. 
لم يشترك محمد ابدأ في أي أعمال عسكرية عائدة للميليشيات الفلسطينية ولذلك أعتقد ان ليس هناك مايخشاه. نظر على مدى الشارع ورآى تجمع كبير من الناس يساق كالخرفان. من كل الجهات محاطين برجال الكتائب المسلحين. ينضم محمد الى القطيع ويتابع معهم على الطريق الرئيسي لصبرا. يبدو وكأن الاسرى يقادون الى الملعب الرياضي المدمر. يمروا من امام شخصين مقتولين، ويرى محمد انهم من كبار السن. من الواضح ان الرجل رمي بالرصاص في حين ان المرأة قتلت بالفأس. كانت فقرات ظهرها بادية بوضوح هناك حيث اصيبت بضربات الفأس. 

اثناء المسير يرى محمد مجموعة من الاطباء والممرضين من مستشفى غزة. احدهم اسمه خليل ويعمل ممرض، وكان يلبس مريول ابيض مثل الاطباء، لربما على أمل ان ذلك سيحميه. احد الجنود يتقدم منه ويصيح فيه بشك:
" تعال الى هنا، من انت؟" 
يجيب خليل:" انا طبيب". 
" هل رأيت الاطفال الذين ماتوا بالامس"؟ يشأله الجندي 
"أذهب الى هناك وانظر اليهم"، يتابع الجندي آمراً 
يتوجه خليل ببطء نحو زاوية مهدمة حيث تتناثر فيها العديد من الجثث. عندما يصل الى هناك يرفع يديه بالفاتحة، وفي نفس اللحظة تمطر عليه طلقات الرصاص. 

 سمير جعجع يعتذر عن مذبحة صبرا وشاتيلا 


الميليشيات قادت الاسرى الى الملعب الرياضي، من أجل التحقيق. خارج الملعب كان الكثيرين قد جرى أعدامهم وجرى رميهم في مقابر جماعية. محمد ركن وبقية الاسرى بدؤا في تجهيز انفسهم للموت. من بعيد يسمعون صوت الشفلات تدوي. كان محمد يقلق من مجرد تفكيره انهم يجهزون حفرة لمقبرة جماعية. في لحظات الانتظار يتلقى الاسرى الشتائم والاهانات من حراسهم. بعضهم يطلب من الاسرى ان يهتف: عاشت الكتائب، والبعض الاخر يقول:" صفقوا ايها الكلاب". 

يرى محمد كيف ان االشفل يقترب منهم. يفهم ان الحفرة اصبحت جاهزة. يستمر الاسرى في المسير، متعبين، والشمس ترسل اشعتها من خلال الغبار الكثيف. في االنهاية يصلون الى منطقة مفتوحة. محمد يرى ان الشفل قد هيئ ثلاثة حفرات كبيرة. 

" تعالى الى هنا" صاح احد الجنود بمحمد، وسأله عن عمله. 
أجاب محمد انه يخدم في بيت الله. يدفعه الجندي الى الحفرة، حيث يستلقي حوالي 20 شخصا والقاع ممتلئ بالدماء. يصاب محمد بالغثيان ويشعر انه سيتقئ من الرائحة. يحاول ان يرفع رأسه من الحفرة ولكن الجندي يمنعه، ويقول: " إذا رفعت رأسك سنتمتر واحد سأثقبه". 
فجأة يسمع شخص يقول:" روبرت، ارجوك، هذا الرجل رباني عندما كنت صغيراً. لن أنسى لك ابداً هذه الخدمة لو تفعلها لي". 

الصوت كان معروفا له، تمعن في الصورة ليرى انه الياس. كان والد الياس ومحمد ركن كانوا اصدقاء عندما كان الياس صغيرا، في تلك الازمنة الخوالي، عندما كان الجميع يعيش في اخاء. يمد الياس يده الى محمد ويساعده على الخروج من الحفرة. بقلق يطلب منه ان يسرع قبل ان يراهم احد. يمسكه الياس من يده ويسرع به. يسمع خلفه رشقات الطلقات، فيطلب منه الياس عدم الالتفات والاستمرار للامام. 

ما بعد المجزرة

 سامي الجميل يعتذر عن مذبحة صبرا وشاتيلا 


في مساء السبت تنتهي عملية القتل، والقاتل ينسحب بهدوء من المنطقة، تماما كما جاء. لجنة حكومية تبرئ القوات اللبنانية من الجريمة على أساس أن لا أحد من قادة الحزب وقادة ميليشياته أعط أوامر للقيام بالمجزرة. ولذلك لم يُحاكم أحد على هذه المجزرة. 
هند واولادها اختبؤا في المنزل خلال كل فترة المجزرة، وبعد يومين عثرت على زوجها في احدى المقابر الجماعية قرب منزلهم. 
ماهر سرور ذو الثلاثة عشر ربيعا بقي على قيد الحياة بعد المسيرة الى الملعب الرياضي. ايضا أمه وثلاثة من اشقائه نجو المجزرة وبقوا على قيد الحياة. 
منير محمد، ذو الاثني عشر ربيعا، كان الوحيد الذي بقي على قيد الحياة من اسرته. بعد المجزرة وجهوا اليه سؤال فيما إذا كان يريد الانتقام، أجاب:" لا، ابدا لن انتقم من خلال قتل الاطفال كما فعلوا بنا. ماذا فعل الاطفال لهم حتى قتلوهم؟". 



هل أعجبك الموضوع ؟

0 التعليقات:

إرسال تعليق