عقد الاستصناع كإحدى الأدوات التمويلية المهمة والتي تهتم في تقديم التمويل لقطاع الصناعة حيث أصبحت الحاجة إلى تمويل هذا القطاع من أهم أولويات مؤسسات التمويل كون هذا القطاع بات يحتل المرتبة الأولى في النشاطات الاقتصادية عامة والمشروعات الصغيرة على وجه خاص وبالتحديد في مجتمعاتنا العربية والإسلامية التي هي بأمس الحاجة إلى تمويل نشاطاتها الصناعية لتحقيق تقد في مجال التنمية الاقتصادية والتخفيف من معدلات البطالة المرتفعة التي تتصف بها هذه المجتمعات.
فالاستصناع في اللغة هو طلب الصنعة وفي المصطلح المصرفي يعني "عقد على مبيع في الذمة شرط فيه العمل على الصانع"، أي مادة الشيء المطلوب تصنيعه يقع على مسؤولية الصانع على أن يبين في العقد صفة السلعة المراد تصنيعها ونوعها وقدرها وجنسها وأن يحدد فيه الأجل ويمكن وحسب الاتفاق بين المتعاقدين أن يؤجل الثمن الوارد في العقد كله أو على شكل أقساط تكون معلومة ومحدودة الآجال وهنا يظهر دور المصرف الإسلامي في توفير التمويل اللازم لهذا النوع من النشاط الاقتصادي بما ينسجم وأحكام الشريعة الإسلامية إما من أمواله الخاصة أو من الودائع الاستثمارية المخصصة لهذا الغرض، ويمكن تنفيذ عقد الاستصناع على النحو التالي:
- إما أن يكون المصرف صانعا أي هو المنفذ المباشر لصناعة السلعة المطلوبة وهذا يمثل عبئا كبيرا على المصرف من حيث الحاجة إلى الأجهزة الإدارية والفنية المتخصصة في تنفيذ صناعة الشيء المطلوب وهذا ما لا يمكن للمصارف الإسلامية أن تقوم به بل يمكن أن يكون مباشرة بين طالب التصنيع والمُصنّع مباشرة.
- أن يكون المصرف صانعا أو مستصنعا في الوقت ذاته وهذا ما يعرف بالاستصناع الموازي أي حسب هذا النوع من العقود يقدم العميل طلبه إلى المصرف طالبا تصنيع سلعة معينة وبمواصفات وشروط محددة ثم يتقدم المصرف إلى الجهة المصنعة مباشرة طالبا منها تصنيع السلعة بنفس الشروط المتفق عليها مع العميل لكن بعقد منفصل عن عقده مع العميل ويشترط أن يتملك المصرف بعد ذلك السلعة امتلاكا كاملا ثم يعيد تسليمها للعميل حسب الاتفاق في العقد الموقع بينهما وحسب طريقة الدفع المتفق عليها.
ومن هنا يمكن القول إن عقد الاستصناع كأحد المنتجات المالية الإسلامية يمثل أسلوبا رائدا في تنوع أساليب التمويل المقدمة من المصارف الإسلامية ويُمكّن كذلك المصرف من تغطية احتياجات النشاطات الاقتصادية المختلفة وهو في النهاية أحد الحلول والبدائل الواقعية لعملية التمويل القائمة على الفائدة في المصارف والمؤسسات المالية التقليدية.
وللأهمية التي يمثلها عقد الاستصناع فإننا نأمل من المصارف الإسلامية عامة أن تعطي هذه الأداة التمويلية الأهمية اللازمة مع بقية الأدوات المتبعة لديها لتأخذ دورها التمويلي في دعم الصناعات الكبيرة والصغيرة وبقية النشاطات الاقتصادية التي يمكن أن يدخل بها هذا النمط من العقود، كما سيكون أداة مهمة في توظيف السيولة الراكدة في هذه المصارف، والاهتمام كذلك بإنشاء صناديق استثمارية تمثل أوعية ادخارية ملتزمة بالفلسفة الإسلامية عمادها مدخرات أفراد المجتمع تخصص لعقود الاستصناع أو على شكل صكوك استصناع لهذا الغرض وبهذا تكون المصارف الإسلامية قد أوصلت رسالتها الأخلاقية والاقتصادية في خدمة مجتمعاتها.
د.غسان الطالب
0 التعليقات:
إرسال تعليق