أخطاء يمارسها الناس في التفكير



من خصائص الإنسان ووجوده أنه يفكر ، وبشكل أو أخر يبدأ التفكير مع بداية الحياة ويستمر إلى نهايتها ، ويبدو لي أن طبيعة التفكير وأهدافه وأنواعه غير واضحة للكثيرين ، وأحياناً أسمع البعض يوجه نصيحة للآخرين ، لا تفكر فالفكر يجلب الهم والحزن وستصبح أحسن حالاً حينما تتوقف عن التفكير . فكيف يطلب من الإنسان أن يتوقف عن التفكير ويبقى حياً. ولكن هناك بعض الأخطاء التي يمارسها الناس في التفكير وتجرهم إلى صعوبات في الحياة ، وأكثر هذه الأخطاء شيوعاً هي أسلوب اجترار الأفكار ، فإذا واجهت الإنسان مشكلة ، أعادها وكررها ليلاً نهارا ً ، أثناء عمله ، وفي البيت والشارع وفي كل مكان فتراه سارحاً ساهماً ، لا يكترث بما يدور حوله ، وتفكيره في الدِّين الذي يجب دفعه ، أو الخلاف العائلي الذي يواجهه ، أو خططه المستقبلية ، ومن المؤكد أن الإنسان بحاجة للتفكير بكل هذه القضايا والتمعن فيها حتى يصل إلى الحلول ولكن ليس بهذا الأسلوب ، بل يكون أسهل بكثير على الشخص أن يجلس في هدوء ويضع المشكلة أمامه بكافة جوانبها ويستحسن كتابتها ، ويضع الحلول الممكنة ، وبعد ساعة مثلاً يقرر أن الحل الثالث هو المناسب أو أن الحلول غير معقولة ويفكر في إستشارة شخص يثق برأيه وحكمته ، فيؤجل الموضوع إلى يومين حتى يتشاور مع فلان ، وحتى الوقت المحدد فلا داعي للإستمرار بالتفكير والإجترار في نفس الموضوع . 

هناك الكثير من الناس الذين يشكون من الفكر وهذه الشكوى ليست دقيقة إذ أن هؤلاء الأشخاص يعانوا من القلق وبالتالي فان كافة أفكارهم تدور حول قلقهم ، مما يجعل الشكوى تكون أسهل بالقول ( أنا عندي فكر) من القول ( أنا عندي قلق ) ولابد من فهم هذه الشكوى بالطريقة الصحيحه .

ومن أساليب التفكير المرهقة ما نسميه قلق التوقع. فإذا كان هناك مقابلة هامة أو إمتحان أو غيره ، من الطبيعي أن نفكر بالأمر ونضع خطة لمواجهته ولكن ليس إلى درجة الإرهاق وعدم النوم والتوتر ، والمبالغة في توقعات الموقف والتحسب لما يمكن أن يجري أثناءه ، وخصوصاً أن لكل إنسان خبراته السابقة التي يجب أن تعطيه الإطمئنان إلى أن القادم لن يكون التجربة الأولى وليس بالضروري أصعب من التجارب السابقة وقد عبر عن هذا الأسلوب في التفكير الشاعر العربي بشار بن برد ( كل ما لم يكن من الأمر في النفس صعبٌ سهلٌ فيها إذا هو كانا ) . وهناك أسلوب يمارسه الكثير من الناس عند تعرضهم للفشل وهو التفكير السلبي وتعميمه ، فإذا فشل الإنسان في عمل أو مهمة أو إمتحان ، تعمم ذلك في تفكيره أنه إنسان فاشل ويتناسى أي نجاح حققه في الماضي ، ويعتبر أن هذه نهاية الحياة ، وهناك من يعود لماضية في لحظه الفشل ناسياً أي نجاح كان قد حققه، ومحطماً روحه المعنوية ، ومن ثم يخرج بنتيجة حتمية أنه سيء، ونتيجة للعزلة التي وضع نفسه فيها وبعده عن الناس أعتبر أن لا أحد يأبه بما حل به من كوارث، وبالواقع إن من حوله لا يروا كارثة ، فالكارثة قد صنعها تفكيره وليس فشله ، وهذا يجره للإستخلاص أن الناس أيضاً سيئين ، وبالتالي فلا أمل في المستقبل بل إن الحياة كلها بلا أمل ، وهذا المثلث الفكري ( أنا سيء والناس سيئون ، فلا أمل إذن بالمستقبل ) هو مثلث يكرس اليأس والكآبة والحزن ، وقد يجعل من فشل بسيط مقدمة فعلاً لفشل دائم وطويل ، ومأساة في تفكير الإنسان ، تجعله فعلاً يفشل في المستقبل لأنه قد وضع نصب عينيه الفشل سلفاً .

من أساليب التفكير الخاطئة التي ترهق صاحبها ، أسلوب الربط والتشكيك الذي لا يقوم على أسس منطقية ومعطيات جوهرية ، مثل التفكير أن مجموعة من الناس يتهامسون وضحك بعضهم أنهم ينتقدوا مشيتك أو شكلك ، وذلك لأنه تصادف مرورك من جانبهم لحظة ضحكهم ، وقد يكون سبب الضحك لا علاقة له بك أو هم مستغرقون في بحث أمر ما ، أو تبادل النكات ، وقد يستنتج هذا الإنسان أنه قد أصبح محط سخرية الناس لأن أنفه كبير ، أو لأنه نحيف أو سمين ، وبالتالي يمشي في الشارع يراقب كل تصرفات الناس ويربطها بالفكرة التي وصل إليها ، ويضخم الفكرة التي قد تصل إلى حجم مرضي مرهق لصاحبها .

لابد أن نتعلم أساليب التفكير الصحيح وأن نراجع أي خلل في تفكيرنا وأن نربط الأسباب بالمسببات ونخضع أحكامنا للمنطق العلمي، ونتسلح بالمنهج العلمي وطرق التفكير الصحيحة لكي يكون سلوكنا سوياً. ولنعلم أبناءنا حل مشكلاتهم بأساليب التفكير الصحيح لكي نضمن سوية سلوكهم وبالتالي سوية السلوك الإجتماعي وهذا التصحيح لابد إن يساهم في دعم الصحة النفسية للفرد والأسرة والمجتمع .
د. وليد سرحان



هل أعجبك الموضوع ؟

0 التعليقات:

إرسال تعليق