إن غريزة حب البقاء من الغرائز الأساسية في الإنسان، حتى أنها موجودة في الحيوانات، وبالتالي فإن الخوف من الموت أمر طبيعي، فهو تهديد البقاء ويهدد وجود البشرية. يصبح الخوف مشكله عندما يزداد عن الحدود الطبيعية ويكون الهاجس المتواصل للإنسان على مدار الساعة ، وقد يكون هذا الخوف جزءاً من القلق النفسي الذي يشمل على الكثير من الآلام الجسدية والتوتر والأرق والخوف بشكل عام ، أو أن يكون جزءاً من نوبات الفزع وهي الخوف الشديد من الموت لبضعة دقائق يرافقها الإختناق والدوخة ويظن الإنسان نفسه يحتضر ، وأحياناً يكون الخوف من الموت فكره وسواسيه قهرية تتكرر في كل لحظة وفي كل مناسبة يربط فيها المريض ما يحدث حوله أو ما يراه من أحلام أو ما يفعله في حياته بأنه سيؤدي للموت ، أو أنه مؤشر ودلالة على إقتراب الساعة . وهناك نوع أخر من هذا الخوف يكون مستقلا ً لوحده ويفكر فيه المريض بالموت ما قبله وبعده وما له علاقة به ويتجنب كل ما يمكن أن يتعلق به ، وبالتأكيد فإن وصول الخوف من الموت للدرجة العظمى يحول تسميته إلى رهاب الموت .
إن الموت هو الحقيقة الوحيدة في الحياة، فنحن لا نستطيع إن نتأكد من أي شيء في حياتنا ولكننا على يقين أننا نموت في يومٍ ما. والخالق سبحانه وتعالى أخفى عنا هذا الموعد وهذا السر وله في ذلك حكمه . الخائفون من الموت يمارسون العديد من الطقوس في محاولة لتجنب هذا الخوف أو الموت نفسه ، فهم يبتعدون عن قراءة صفحة الوفيات في الصحف المحلية ، ويتجنبون سماع موجز الأخبار إذا كان هناك تعداد للوفيات عن طريق الإذاعه ، ويتحاشون المرور من أمام المقابر أو حضور الجنازات وبيوت العزاء ، حتى سماع الحديث عن ميت أو الموت يزعجهم ، ويصل الخوف بالبعض إلى عدم قدرته على دخول المسجد أو الكنيسة ، أو سماع القرآن الكريم لارتباطها بالموت ، كما يصل البعض للخوف من الصلاة والتوقف عن أدائََُها ، وهذا يؤدي إلى سلسله طويلة من الحذر والخوف والترقب في حياة الخائف . وقد يتضامن معه أصدقاءه وذويه فلا يبلغوه ببعض الوفيات ، ويعفوه من المشاركة في مراسم الدفن والعزاء . ولا يتحدثون أمامه عن الموت والمرض ، ويغيرون محطة التلفزيون إذا ظهر عليها ما قد يشير للموت والمرض . والخوف من الموت قد يمتد للخوف على الآخرين من الموت والمرض، والخوف من المستشفيات والعيادات والأطباء. وقد يخطو الخائف خطوة أخرى في تخيلاته متصوراً ما بعد الموت من دفن وتحلل للجسد، ومن عذاب وحساب.
إذا كنت تعاني من هذا الخوف أو الرهاب أو كان هناك صديق أو قريب يعاني منه ، فالحل سيبدأ فوراً وإنطلاقاً من حقيقة الموت الراسخة ، ثم مبدأ ( اعمل لدنياك كأنك تعيش أدباً وأعمل لآخرتك كأنك تموت غداً) . فلا بد من إيقاف كل الإحتياطات والطقوس التي قادك الخوف إليها لتسير عليها ، وتبدأ بمواجهة كل ما يتعلق بالموت سواء بالحديث والقراءة عنه ، أو سماع أخبار الوفيات وحضور الجنازات ومراسم الدفن ، والمشاركة في بيوت العزاء وهذا سيزيد من الخوف مؤقتاً إلا أنه يؤدي بالتأكيد إلى التغلب على الخوف كلما تكرر تعرضك لهذه الأمور ، ولاشك أنك على يقين أن عمرك لن يحدده خوفك أو عدم خوفك من الموت . وقد يكون الخائف قادراً على تخطي هذه الحواجز والوصول للشفاء منفرداً أو بمساعدة أخ أو صديق ، ولكن إذا استعصت عليه الأمور فلا بد من الرجوع للطبيب المختص . وتتم معالجة الحالة طبقاَ لنوع هذا الخوف وشدته وما يرافقه من أعراض كالقلق والفزع والإكتئاب أو الوسواس القهري . هذه المشكلة بالرغم من أنها تبدو لك كبيره ويستحيل حلها ، أود إن أؤكد لك انه بشيء من الإرادة والتصميم وإتباع الأسلوب العلمي يمكن الخروج منها والعلاج يكون سلوكياً ومعرفياً ودوائياً .
د. وليد سرحان
0 التعليقات:
إرسال تعليق