متى تستشير الطبيب النفسي؟



سؤال يطرح كثيراً من قبل الناس وعلى المختصين ، وفي مناسبات كثيرة، هل أنا بحاجة لإستشارة طبيب نفسي ؟ وكيف لي أن أعرف هذا ؟ وما هو الحد الفاصل بين الصحة والمرض ؟ وكيف لي أن أعرف أن ما أعاني منه هو مرض نفسي ؟ وليس مس من الجن أو مرض عضوي ! أو أمر طبيعي لابد أن نمر به ؟ وهذه التساؤلات تجد من يتطوع للإجابة عليها . هناك من يجيب أن كل الناس بحاجة لإستشارة طبيب نفسي إذ أن كل الناس تعاني . وعلى النقيض من ذلك هناك من يجيب بأن " المجنون" فقط هو الذي يحتاج إلى طبيب نفسي ، ويصل البعض في تطرفهم بالإجابة إلى أنه لا يؤمن بشيء إسمه مرض أو طب نفسي ، وهذه إجابات غير علمية وغير دقيقة وهي نابعة من مشكلتين رئيسيتين : الأولى عدم معرفة حدود الصحة النفسية والثانية أن حدود الطب النفسي غير معروفه للكثير من الناس .

وللتعرف على حدود الصحة النفسية نقول أن الإنسان الذي يمارس حياته بالشكل الطبيعي وإقامة العلاقات وضبط أفكاره وتصرفاته ويشعر بداخله أنه مرتاح ومنسجم طالما كانت ظروفه مريحة ، وينزعج لأحداث الحياة بما يتناسب مع حجم هذه الأحداث ، وما يلبث أن يعود لتوازنه بعد مرور المحنة ، وينظر الإنسان المتمتع بالصحة النفسية لأمور الحياة والموت والمستقبل والحاضر نظرة موضوعية ، هذا التوازن هو الذي يجعل من الفرد قادر على التكيف مع حياته ومحيطه وظروفه ؟ لا شك أنه يتمتع بالصحة النفسية . أما إذا ظهرت لدى الإنسان مشاعر وأحاسيس غريبة ومزعجة ، أو إضطرابات في المزاج أو السلوك أو العواطف و إختلف أسلوبه و شخصيته بشكل غير عادي ، أو أن أفكاره وحواسه قد تأثرت ، ووقعت في الأوهام والخيال الهلاوس ، قد يكون تخطى حدود الصحة إلى ساحة المرض ، وهنا لابد له من إستشارة المتخصصين في هذا المجال ، لتشخيص الداء ومعرفة الدواء . 

يعتقد الكثير من الناس أن المرض النفسي إما أن يكون جنوناً أو توتراً وهناك من يضيف الإكتئاب إلى ذلك . وحقيقة الأمر أن الطب النفسي أوسع من هذا بكثير ويضم في ثناياه أكثر من عشرة فروع للطب النفسي منها الطب النفسي للبالغين والذي يتناول أشكال المرض الذهاني سواءاً الفصام أو الهوس الإكتئابي والذهان الزوري والتي فيها الإضطراب في التفكير وفي الإدراك ( الهلاوس ) مما يجعل المصاب بهذا المرض ليس مرتبطاً بالواقع ولا مدركاً له ، والأمراض الغير ذهانية عديدة منها إضطرابات المزاج كالإكتئاب والزهو وهناك إضطرابات القلق العام والفزع والوسواس القهري و الرهاب والإضطرابات التجسيدية والتحولية و التفارقيه وهذه الإضطرابات قد لا تكون سهله التمييز من قبل الأخريين ، إلا أن المعانة فيها تكون في داخل الفرد وقد تكون من مظاهر هذه الأمراض صداع أو أرق أو تعرق أو إضطرابات هضمية وآلام مختلفة و هناك طب نفسي الأطفال والمراهقين والذي يتعامل مع من هم دون سن الثامنة عشرة ويشمل الإضطرابات العاطفية والسلوكية بالإضافة إلى إضطرابات النوم والطعام والتبول اللاإرادي وصعوبات التعلم وغيرها . وإن طب نفسي الشيخوخة يرعى من يتخطوا الخامسة و الستين من العمر وأكثر المشاكل في هذا العمر هي تدهور الذاكرة و الخرف أو إستمرار لأشكال الذهان و الإضطرابات الأخرى التي تكون قد بدأت في سن مبكرة ، وهناك تفرعات أخرى للطب النفسي في مجالات هامة لابد من أخذها بعين الإعتبار مثل الإضطرابات الجنسية وإضطرابات النوم والإدمان على المؤثرات العقلية والعقاقير الخطرة وطب نفسي المجتمع والبيئة والطب النفسي القضائي الشرعي الذي يعنى بالجريمة وعلاقتها بالإضطرابات النفسية ، كما أن الطب النفسي معني برعاية أشكال الإعاقة العقلية ومشاكلها المختلفة وإختصاص الطب النفسي الذي يمارس في المستشفيات العامة يعنى بالمساعدة في تشخيص الأمراض النفسية المختلطة مع الأمراض العضوية والتي تؤثر على مسيرتها أو تساعد في حدوثها وهذا يكون في الكثير من الإختصاصات كأمراض القلب والكلى والجهاز الهضمي وغيرها وهو معني أيضاً بتفريق الإضطرابات النفسية التي قد تبدو وكأنها أمراض عضوية .

لا شك أنه بالرغم من كل التوضيح والتفسير فقد يجد الإنسان نفسه غير قادر على تقييم مشكلته ومعرفة لمن يلجأ للحصول على حل ، وهنا يمكن له طلب المساعدة من أحد أفراد الأسرة أو صديق أو طبيب العائلة . ولا بد أن يكون لطبيب العائلة دور هام في المساعدة إلى الوصول للطبيب المختص لأهمية تقييم الأعراض التي تظهر إذا ما كان هناك مرض من الأمراض أو أن الأمر طبيعي وعابر وبعد هذا التحديد من قبل ممارسي الطب العام يمكن الوصول للطبيب المختص وفي أحوال لا تكون فيها صورة المرض واضحة حتى للطبيب العام فلن يكون هناك ضرر من إستشارة الطبيب النفسي حتى لو تبين في النهاية أن المشكلة بسيطة وعابرة وليست بحاجة للعلاج ، أما الضرر الأكيد فهو في الأحوال المعاكسة ، عندما يكون هنا ضرورة ملحة لمراجعة الطبيب ومع ذلك يتأخر المريض كثيراً في الوصول إلى العلاج ، وقد يصل بعد فوات الأوان ، وعندها يكون المرض قد أصبح مزمناً ومستعصياً . مما لا شك فيه ، إن الثقافة النفسية التي تُعرف الإنسان بكل من الإضطرابات النفسية تعريفاً واضحاً بسيطاً لها دور كبير في وضع الأمور في نصابها والمساهمة في سرعة التشخيص والعلاج إذا وصل المريض للطبيب النفسي .
د. وليد سرحان



هل أعجبك الموضوع ؟

0 التعليقات:

إرسال تعليق