إساءة استعمال العقاقير الطبية



إن التقدم الطبي والصيدلاني وفر لنا أعداداً هائلة من العقاقير والأدوية لمختلف الأمراض ، والأصل في إستعمالها أن توصف من قبل طبيب وتصرف من قبل الصيدلاني ، ويلتزم المريض بكيفية تعاطيها والجرعات والموعد والمدة المحددة ، إلا إن هذا الأسلوب ودقته لا يلتزم به جميع الناس ، فهناك من يتعاطى الأدوية حسب رأيه ودون الرجوع للطبيب ، وقد يناقش في الأمر مع صديق أو صيدلاني ، أو حتى مع أحد المرضى الذين سبق وتعاطوا ذلك العلاج أو أساءوا إستعماله ، كما يتجاوز الناس التعليمات الطبية فيزيدوا الجرعة أو يقللوها ، أو يتركوا العلاج دون إستشارة وهكذا ، ومن المشاكل المنتشرة بين الناس إستعمال المهدئات والمسكنات دون استشارة طبيب ، أو الإستمرار في إستعمالها بعد إن تكون قد وصفت لمرة واحدة و لفترة محددة ، ويغلب على مستعملي المهدئات أن يزيدوا الجرعات تدريجياً ، ويشكلوا في الأصناف ، ويخلطوا ويجربوا حتى يعتبروا أنفسهم من الخبراء في هذا المجال .

في مطلع الستينات تم تحضير مجموعة مهدئات البنزوديازبين وانتشر استعمالها وزاد إنتاجها وتفرع وأصبحت الأن في العشرات من الأسماء والأصناف التجارية ، وهي أدويه فعّاله في مكافحة التوتر والقلق والأرق ، ولها إستعمالات في رخي العضلات وفي الصرع . وإذا أخذت بالجرعة الموصوفة للمدة المحددة تحت إشراف طبي فأنها من أكثر الأدوية أماناً ، أما المشكلة الكبرى فتكمن في إستعمالها وإساءة إستعمالها والعبث بها من قبل الناس ، إذ يبدأ شخص ما بأخذها بجرعة بسيطة كلما غضب أو توتر أو أنه قد واجه مشكلة ما ، وتأخذها السيدة كلما كانت هناك مشكلة عائلية ويزداد معدلها تدريجيا ً فيبدأ بالقرص من عيار 2 ملغم ثم إلى 5 ويصل إلى 10 ملغم ، وعلى مدى شهور أو سنوات يضاعف هذا الرقم ، ويقد يصل إلى 10 أضعافه أو أكثر، مما يؤدي للإدمان الجسدي والنفسي على هذه العقاقير . ويصبح الإنسان عبداً لهذه الأقراص يحتفظ بها بكميات كبيره في كل مكان ويخفيها عن عائلته ، وتجدها في جيوبه ، وهو عادة لا يحصي عدد الأقراص أو مقدار الجرعة ، بل يلتهم منها كل بضع ساعات وكلما توفرت ، مما يؤدي إلى نحول الجسد والشرود والنسيان والعصبية والميل إلى العنف وسرعة الغضب ، وقد يكسر ويخرب في البيت أو يعتدي على الناس لأتفه الأسباب ، وتتأثر الذاكرة والتركيز ، وينسى المدمن الكثير من الأشياء والأحداث مما يؤدي لإهمال واجباته اليومية ، ويصاب بالكآبة والملل والكسل واليأس ، و يتأثر أسرياً واجتماعياً ، فقد يترك عمله أو يطلق زوجته ، أو أنه ينتقل للإدمان من المهدئات إلى المخدرات والكحوليات . 

من أدمن على هذه المهدئات ، قد أصبح مريضاَ بها وبحاجه للمعالجة لسحبها ، وإذا حاول إن يتركها من تلقاء نفسه أصيب بالتوتر والهياج والأرق والارتجاف والخدر والخوف والتخيل ، وسرعان ما يعود لها ، فلا يحتمل هذه الأعراض ، وقد تكون هذه الأعراض شديدة لدرجة فقدان الوعي والإصابة بنوبات صرع متكررة من الممكن أن تؤدي للوفاة ، ولذلك فأن إيقافها يجب أن يتم في المستشفى وبرقابة طبية مع إعطاء علاجات خاصة بأعراض الإنسحاب ، وإذا شاء المدمن ترك المهدئات ولا يريد مراجعة الطبيب فعليه إن يخففها تدريجياً ، على مدى أسابيع أو شهور بمساعدة طبيب إذا أمكن ، حتى لا يصاب بمشاكل الإنسحاب .

من الحقائق الهامة أن هناك اختلاف بين الإدمان و طول الإستعمال ، فقد يأخذ أحد المرضى مهدئاَ بجرعة ثابتة لسنوات طويلة ومع ذلك لا نعتبر ذلك أدماناً ، وحقيقة أخرى هي أنه ليس كل الأدوية النفسية مهدئات ، فمنها مضادات الإكتئاب ، ومضادات الذهان والأملاح ولكلٍ إستعماله ومواصفاته ، وهذا لابد من أخذه في الإعتبار لدى الكثيرين من الناس الذين يعتقدوا أن المرض النفسي بكل بساطة ينقسم إلى توتر وجنون ، وأن التوتر علاجه المهدئات والجنون لا علاج له سوى البقاء في المستشفى النفسي مدى الحياة ، وهذه فكره خاطئة أيضاً ، فالأمراض النفسية كثيرة ومتشعبة ، وليس كما يعتقد البعض ،كما أن العلاجات النفسية كثيرة ومتشعبة ولا يمكن إختصارها بهذا الأسلوب . إن المعرفة والثقافة في هذا المجال قد تعطي الإنسان البصيرة الصحيحة والتعامل الأمثل في مثل هذه المواضيع وتبعده عن الوقوع في مثل هذه المطبات .



هل أعجبك الموضوع ؟

0 التعليقات:

إرسال تعليق