تشريح الــحــــــب


تشريح الــحــــــب Anatomy of love

إن تعريف الحب من أصعب القضايا التي تواجه الباحثين، فلو لجأت إلى المعاجم لوجدت أن الحب يوصف على أنه( حالة يسميها صاحبها بالحب) وذلك يعني أن الحب لا يكون نفس الشيء ونفس المفهوم ونفس الشعور عند أشخاص مختلفين، ولكن لتبسيط الأمر يمكننا القول أن الحب هو الرغبة في القرب من الشخص المحبوب وتذكره وعدم القدرة على نسيانه بسهولة وتقبّل أمور كثيرة منه قد لا يقبلها من غيره ويرافق هذه القنا عات مشاعر وأحاسيس جسدية كخفقان القلب أو الشعور بهبوطه مما يجعل الإنسان يعبر عن حبه بأنه نابع من القلب وهو حقيقة في الدماغ، إلا أن القلب يعكس نبض هذه المشاعر الإيجابية.

إن علاقات الحب تتبع قواعد معينة وهناك الحب الذي يتولد بين الأم وأطفالها وبين الأب وأبناءه وبين الأخوة والأخوات، والحب الذي يتولد لدى الناس لقائدهم أو زعيمهم، وهناك الحب لغير الأفراد كحب الوطن وحب أماكن أو أشياء معينة, وفي إطار العلاقات الإنسانية فإن الحب من المشاعر الإيجابية التي توطد هذه العلاقات وتجعل المجتمع الإنساني متآلفاً ومتجانساً، لم يعرف إطلاقاً أن الإنسان لا يستطيع الشعور بالحب في سن معين ولكن هذا الشعور قد يختلف بطبعه وقوته واندفاعه من عمر إلى آخر، وربط الحب أو العشق بالأنانية ربط قد يكون منطقياً في بعض الأحيان إذ أن هناك من يقول أن الإنسان يحب نفسه أولاً وأخيراً, ولا يحب أحداً إلا بمقدار تقدير هذا الإنسان له وإعجابه به، وبالتالي يمنحه الحب مكافأة على هذا الإعجاب ويتطور هذا الحب بين الفردين من هذا المنطلق الأناني.
قد لا يكون هذا واقعي على جميع الناس إلا أنه في بعض الشخصيات وبعض الأفراد فيه شيء من الصحة، أما ما جاء على لسان المحلل النفسي فيريك فرومان عن الحب فقد قال " الحب شعوراً ليس في متناول أي كان " إن في هذا الكلام حقيقة ولو أنها مؤسفة أحياناً إذ أن بعض الشخصيات و الأنماط من البشر لا يتمتعوا بأي شعور إيجابي بما في ذلك الحب, فترى الإنسان يتمحور حول ذاته وملذاته ورغباته وطموحه وتلبيتها وقد يتحدث عن الحب ويدعيه، ولكنه في الحقيقة لا يعرف ما هو الحب وسلوكه وتصرفاته بعد ذلك سوف تكشف هذه الحقيقة لمن أمامه.

إنه من الممكن أن نقول أن الحب بين الرجل و المرأة قد يتخذ عدة درجات، ومن الصعب أن يكون هذا الحب بمعزل عن العلاقة الخاصة سواء كانت علاقة عاطفية أو علاقة زواج, ولكن في أحيان قليلة قد تجد أن الحب موجود عند بعض الأفراد وهناك من الناس من تكون مشاعرهم فاترة نوعاً ما, وحبهم فاتر وكراهيتهم فاترة, وترتفع الدرجة والحدة إلى أن تصل إلى العشق والتعلّق والذي يكون في بعض الأحيان شديد جداً إلى درجة قد يجوز تسمية الحب فيه مرضاً.

إن الزواج والممارسة الجنسية من المفترض أن تعزز وتطور من الحب لا أن تقضي عليه، أما إذا كان الزواج متعثراً والأدوار فيه غير واضحة والممارسة الجنسية لا تشبع الطرفين ولا تأخذ بالرغبات والظروف التي يمر بها كلا الزوجين فمن الممكن أن يضمحل الحب مقابل المشاكل الزوجية والنفور الجنسي على مدار الأيام.

بالنسبة للمراهقين فمن المعروف أنهم قد يندفعوا وراء مشاعرهم بشكل سريع وفي أول تقابل لهم مع الجنس الآخر وفي سن مبكرة، ويخطئ الأهل كثيراً في التصدي لمثل هذه المشاعر التي تحتاج إلى شيء من التوجيه والتفهم لأنها غالباً ما تخف حدتها تدريجياً ويصبح فيها شيء من العقلانية مع مرور الوقت، أما تحديها فيحول هذه التجربة إلى تجربة كاملة للحياة ينسى فيها الفرد أنه كان بالأساس معجب بفلانة أو معجبة بفلان، ويصبح الهم تحدي رغبة الأهل من الطرفين.

في أحيان قليلة يكون الحب مرضاً بحد ذاته وفيه يشعر الإنسان أو الإنسانة بأنها محبوبة من قبل شخصية عامة, رغم أنه لا يوجد معرفة أو علاقة بينها و بينه إلا أنها تتوهم إلا أنه يحبها ويتتبع أخبارها عن بعد، وقد تحاول إيذائه وإزعاجه، وقد يكون هذا الاضطراب منفرداً وقد يكون في سياق أمراض نفسية أخرى.

من الملاحظ أن المرأة أكثر تعبيراً عن المشاعر وأكثر رغبة في سماع المشاعر الإيجابية وعبارات الحب والغزل, في حين أن الرجل يكتفي بالتصرف و بالفعل دون الكلام أحياناً، وفي بعض الناس يكون الحب كلمة مفرغة من معناها تستعمل للتعبير عن مآرب أخرى أو اصطياد أفراد يحبوا سماع هذه الكلمة.

وبالتالي فإن الخوض في هذا الموضوع وبحثه والتعرّف على جوانبه غالباً ما يزيد ه تعقيداً وغموضاً ويجعله أرضاً خصبة للشعراء والكتّاب والفلاسفة والمفكرين والعلماء وقد تدخل مؤخراً علماء الوراثة وهم الآن في بحث عن مورثات تحدد للإنسان الشخص الذي يمكن أن يحبه وكأننا مبرمجين أصلاً فيمن نحب، وإذا وصل الأمر في يوم من الأيام لهذا المستوى فقد يكون لدى كل منا شيفرة خاصة يطابقها مع من أمامه ليعرف إذا كانت تصلح رفيقة درب أم لا.
قد نرى أن هذا خيال علمي خصب ولكن العقود الماضية قد علمتنا أن الخيال العلمي لم يعد بعيداً عن الواقع وقد يتحقق في أي لحظة.

الدكتور وليد سرحان



هل أعجبك الموضوع ؟

0 التعليقات:

إرسال تعليق