لم يكن الشاب يعرف ماكان العجوز يقصد بقوله: " أسطورة شخصية " .
- هي ماكنت دائماً تتمنى أن تفعل، فكل واحد منا يعرف ماهي أسطورته الشخصية وهو في ريعان شبابه، في هذه الفترة من الحياة، يكون كل شيء واضحاً، كل شيء ممكناً، ولا يخاف المرء من أن يحلم أو يتمنى مايحب أن يفعله في حياته. وكلما جرى الوقت، فإن قوى خفيّة تنشط لإثبات استحالة تحقيق الأسطورة الشخصية.
لم يكن لقول العجوز أي معنى بالنسبة للراعي الشاب.
لكنه كان يريد معرفة ماهية هذه " القوى الخفية ". إن ابنة التاجر ستبقى فاغرة فاها !
- إنها قوى قد تبدو سيئة، ولكنها في الواقع هي تلك التي تعلّمك كيف تحقق أسطورتك الشخصية، إنها هي التي تعد عقلك، وإرادتك لأن هناك حقيقة كبرى في هذا العالم:
" فأياً كنت، وأيّ شيء فعلت، فإنك عندما تريد شيئاً بالفعل، فهذا يعني أن هذه الرغبة قد ولدت في " النفس الكليّة " ، وأنها رسالتك على الأرض . "
- حتى لو كانت الرغبة فقط هي رغبة في الترحال ؟ أو في الزواج من ابنة تاجر أقمشة؟
- أو البحث عن الكنز، فإن النفس الكليّة تتغذى من سعادة الناس أو من شقائهم، من الرغبة، من الغيرة، وإنجاز الأسطورة الشخصية هو الالتزام الأول والأوحد للناس، وكل شيء ليس إلا شيئاً واحداً.
" وعندما تريد شيئاً ما، فإن الكون بأسره يتضافر ليوفر لك تحقيق رغبتك " .
احتفظا بالصمت للحظة، راقبا فيها الساحة والمارّة، وكان العجوز هو المبادر في إعادة فتح الحديث:
- لماذا ترعى الغنم؟
- لأنني أحب الترحال.
أشار العجوز إلى بائع البوشار بعربته الحمراء في إحدى زوايا الساحة وقال:
- هذا الرجل أيضاً كان دائماً يريد الترحال عندما كان طفلاً، لكنّه فضّل شراء عربة صغيرة ليبيع البوشار ويجمع المال طيلة سنين عديدة، وعندما يصبح عجوزاً سيسافر ليمضي شهراً في إفريقية، إنه لم يدرك أبداً أن الانسان يمتلك القدرة لينفذ مايحلم به.
- كان عليه أن يكون راعياً ـ فكّر الشاب بصوتٍ عالٍ.
- لقد فكّر في ذلك ـ قال العجوز ـ لكن باعة البوشار ذوو شخصيات أكبرم ن تلك التي هم عليها الرعاة، فباعة البوشار لديهم بيوت تؤويهم، بينما الرعاة يناموت تحت النجوم، والناس يفضّلون تزويج بناتهم من باعة بوشار على تزويجهم من الرعاة.
شعر الراعي بغصّة في الصميم، وهو يفكّر بابنة التاجر، ففي المدينة حيث تعيش يوجد بالتأكيد بائع بوشار.
- وأخيراً ـ أردف العجوز ـ فإن مايفكّر به الناس عادة عن باعة البوشار وعن الرعاة يصبح لديهم أهم من الأسطورة الشخصية.
تصفّح العجوز الكتاب وتسلّى بقراءة صفحة منه، انتظر الراعي قليلاً ثم قاطعه بنفس الطريقة التي قوطع هو بها:
- لماذا قلت لي هذه الأشياء؟
- لأنك تحاول أن تعيش أسطورتك الشخصية، ولأنك على وشك العدول عنها.
- وأنت تظهر دائماً في هذه اللحظات؟
- ليس بهذا الشكل دائماً، لكنني لا أتخلّى عنه أبداً ... فمرة أظهر على شكل فكرة جديدة، أو كطريقة للتخلص من ورطة، ومرة اخرى أظهر في لحظة روحانية، أجعل فيها الاشياء سهلة المنال، وهكذا ... لكن أغلب الناس لا يلاحظون شيئاً.
روى أنه في الاسبوع الماضي، كان مجبراً على الظهور لأحد المنقبين على شكل حجر، فقد كان هذا الرجل قد تخلّى عن كل شيء، ورحل سعياً للحصول على الزمرد.
خمس سنوات عمل خلالها بتكسير الاحجار على طول أحد الأنهار، كان قد كسر خلالها تسعمائة وتسعاً وتسعين ألفاً وتسعمائة وتسعاً وتسعين حجراً، محالاً أن يجد زمردة، في تلك الأثناء فكّر بالتراجع، ولم يكن ينقصه عندئذٍ إلا حجر واحدة، ليكتشف زمردته، وبما أنه كان رجلاً دأب في الجد خلف أسطورته الشخصية، فقد قرر العجوز التدخل، فتحول إلى حجر تدحرجت عند أقدامه، وتحت وطأة غضبه واحساسه باستلابه خلال خمس سنوات ضاعت من عمره، قذف بتلك الحجر إلى البعيد، ورماها بقوة كبيرة جعلتها ترتطم بحجر أخرى، فتفتت لتكشف عن أجمل زمردة في العالم.
قال العجوز وفي عينيه شيء من المرارة:
- إن الناس يتعلّمون مبكراً مبرر حياتهم، وربما لهذا السبب نفسه أيضاً، يتخلّون عن عاجلاً عن المتابعة، لكن هكذا هي الدنيا.
تذكر الشاب حينئذٍ أن نقطة البداية بالنسبة للمحادثة التي دارت بينهما كانت الكنز المخبأ.
- لقد نُبشت الكنوز بفعل السيل الجاري ـ قال العجوزـ ودُفنت نتيجة ارتفاع مياه السيل نفسها، وان كنت تريد معرفة المزيد عن كنزك، عليك أن تتنازل عن عشر قطيعك.
- أفلا يمكن لعشر الكنز أن يفي بالأمر؟
بدا الشيخ خائباً:
- إذا وعدت بشيء لا تملكه بعد، فإنك ستفقد الرغبة في الحصول عليه.
قال له الراعي بأنه كان قد وعد الغجرية بعشر الكنز.
تأوه العجوز وصرخ:
- محتالون، على أية حال، انه لجميل أن تتعلم أن لكل شيء في الحياة ثمناً، وهذه هي الفكرة التي حاول مجاهدو عهد الأنوار تعليمها.
ثم أعاد الكتاب إلى الشاب قائلاً:
- غداً وفي مثل هذه الساعة تصحب لي عشر قطيعك، وسوف أرشدك كيف تجد كنزك بنجاح، هيّا عمت مساءً.
واختفى عبر إحدى زوايا الساحة.
× × ×
حاول الشاب الرجوع إلى قرائته، لكنه لم يتمكّن من التركيز، فقد كان مضطرباً ومتوتراً، لأنه أدرك أن العجوز يقول الحقيقة، ذهب للبحث عن البائع المتجول، واشترى منه كيساً من البوشار متسائلاً في قرارة نفسه هي عليه أن يخبره بما قال العجوز.
من الأفضل أحياناً، أن نترك الأشياء كما هي عليه ـ فكّر دون أن يقول شيئاً، فلو تكلم لأمضى بائع البوشار ثلاثة أيام بالتفكير ليقرر إن كان سيتخلّى عن كل شيء، لكنه كان قد اعتاد العربة الصغيرة.
كان يستطيع أن يوفر عليه هذا الارتياب المؤلم، أخذ يهيم في المدينة، ونزل حتى الميناء، حيث يوجد مبنى كبير، ذو نوافذ خاصة، كان الناس يأتون لشراء بطاقات السفر منها مصر ... إنها توجد في إفريقية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق