كيف تواجه انكساراتك الداخلية؟



 كثيرة هي اللحظات التي نجد فيها انفسنا ضعفاء عند نقطة معينة غير قادرين على الاستمرار ونعاني من الانكسار والتعب؛ الأسباب كثيرة في هذه الحياة مثل فقدان وظيفة او فقدان شخص عزيز أو حتى انتهاء علاقة عاطفية او شعور بالفشل، وغيرها من تلك الأمور التي تؤثر فينا كثيرا فتتركنا عالقين في مكان واحد ننسى حينها جمال الكون من حولنا وننسى ان الحياة تستمر ولا تتوقف.
هذه الانكسارت التي يعيشها الافراد بمختلف الظروف التي يمرون بها لا توحي بأنها ستنتهي يوما ما، ولكن الحقيقة انها تزول مع الوقت وتترك القلب من بعدها اقوى واكثر وعيا وجرأة وثقة بنفسه، واكثر مرونة في التعامل مع مثل هذه الانكسارات التي تأتي من كل حدب وصوب. 
ويحتاج المرء الى اكتساب مهارات التعامل مع هذه الأوضاع رغم الألم، وتتطلب جهدا مستمرا بخطوات تأتي من الداخل لتكمل الجهود الرامية للخروج من كل انكسار محتمل، بحسب المؤلف والمدرب الروحاني مارك نيبو الذي يملك 14 كتابا حول تجاوز المصاعب وصاحب الكتاب الاكثر مبيعا في العام 2012 بحسب النيويورك تايمز بعنوان Seven Thousand Ways to Listen، واختير بحسب اوبرا وينفري الكتاب الاكثر تفضيلا، يمكن مواجه الانكسارات الداخلية بعدة طرق:
- اسمح لنفسك أن تشعر بالسوء: فالشعور بالعاطفة والرحمة يعني تمييز العواطف السلبية وبقدر ما هو الأمر متعب وممل، إلا أنه جزء من طبيعتنا كبشر، وهذا يعني أن نسمح لأنفسنا بالشعور بها.
فإن كنت تريد أن تكون آمنا، فلا بد من أن تسمح لنفسك بأن تشعر بردات فعل طبيعية، حتى وإن وصل الأمر إلى أن تؤنبها قليلا، أو أن تضرب الوسادة لتفريغ العصبية.
ويبين نيبو أن التعاطف مع الذات والرفق بها لا يعني الانغماس بالشفقة على النفس، ولكنه يعني وبشكل دائم أن تحافظ على الاهتمام الواضح بما تريده بها، وهذا بالتأكيد لا يعني أن تحبس نفسك لاسبوع وتنقطع عن العالم، بل قدر أن هذه اللحظة ستزول. لذا لا تشعر بالاستسلام بمجرد ذكر أفكار سلبية.
- قبول الحالة العامة، فقبول اننا سننسكر ليس بوجهة النظر المتشائمة، بل أن نقبل التغير وأن نفكر في الخلاص من الحياة هوالتفكير المتشائم،  فالتحول والانقلاب هو جزء من النمو والتغير واكتساب الخبرة في الحياة، وجزء طبيعي من عقبات الحياة التي تضحكنا من جهة وتبكينا من جهة، فقد تجد نفسك وحيدا وقد تتعرقل بعائق معين واحيانا تصبح وحيدا بدون الشخص الذي اردت ان تمضي حياتك برفقته، وقد تصبح مريضا ولكن هذا لا يعني نهاية الكون.
فتقبل الواقع برحابة، فالحياة بسيطة وكل شيء يحدث في اللحظة المناسبة له لا مبكرا ولا متأخرا، أي أن كل شيء في وقته، فما تفقده من جانب يعوض وتحصل عليه من جهة أخرى بأمور أفضل، وكل ما تكسبه تقابله خسارة في أمور أخرى، وهذا هو واقع الحياة فانتبه لما يدور حولك وقد لا يعجبك، وهو أمر لست مضطرا إليه، ولكنه يسهل الأمور عليك، لذا انتبه لما يدور حولك، فتلك اللحظات التي تمر إما أن تأسف عليها أو تفرح وتتمتع بها، فكل شيء بيدك ورهن اختياراتك التي تقرر بها سير الأمور بين تقبل الواقع وبين مقاومة كل شيء، فقط لمجرد أنك لا تعرف ما تريده، ولا تنسى أن بعض الأمور خارجة عن السيطرة البشرية، وهذا ما يعرف بالقدر فلا تتحداه بل تقبله، وحينها تكافئك الحياة.
- أعد تجميع قواك، فالقوة لا تعني أن تحمل الحزن أو الخجل، ولكنها تعني اختيار طريقك والعيش مع النتائج لهذه الخيارات وتحمل عواقبها والتعلم منها.
فأحيانا تبذل كل ما في وسعك، ولكن ينتهي بك المطاف في فوضى عارمة وعواقب وخيمة، وحين يحدث هذا لا تيأس، فأنت في الحقيقة متعب، وهو كل ما تستطيع القيام به، فلذلك حاول وإن فشلت تكون قد تعلمت ما يجب أن لا تفعله، لذا استرح واعد تجميع قواك، وابدأ مرة اخرى بطريقة مختلفة بما تعرفه من تلك التجربة التي مضت لتتفادى ما سبق.
-اتكئ في ركن هادئ، فالانكسارات تترك الفرد هشا وخفيفا مثل ورقة سقطت عن الشجرة والكسر حين يكون مفتوحا لا يمكن وضع حدود له، وهذا ما يجب ان تدركه فالاشياء باتت غير ما عهدتها وكل شيء من حولك اختل توازنه، وينصح نيبو ان تكون مدركا أن أكبر مخاوفك هي داخل عقلك وهي أكبر من الواقع، وسترى الحقيقة بنفسك حين تواجهها، ولا تدعها توقفك. لذا عش حياتك حتى لا تندم على تلك الفرص التي أتيحت لك، ولم تغتنمها لمجرد خوف سيطر على عقلك، فكثيرون ممّن حولنا فقدوا حبا لأنهم خافوا من التجربة وآخرون خسروا أحلامهم، لأنهم ظنّوا أنها ليست مناسبة وأن الوقت مبكر، والبعض تخلى عن أمور كانت قيمة، لأنه ظن أنه لا يستحقها فخسر هدايا عظيمة وهي مرتبطة بشخصهم، والفرصة لعيش أحلامهم وندموا كثيرا بعدها.
-عالج نفسك بنفسك، فحالة الفشل ليست بالوقت المناسب لتعاقب نفسك عليها: كما يقول نيبو، بل حاول بنهج معاكس أن تعطي نفسك فرصة للراحة مثل حمام مريح من أجل منحها الاندفاع، والتقليل من الخوف من الفشل، والشعور بالسوء والرثاء والشفقة، وهذا ينعكس ايجابا على الاقبال على مخاطر أكبر بقوة وثقة. موضحا أنه حين يشعر الفرد بالأمان رغم الفشل سيقل الخوف من الوقوع فيه، وتكون نسبة النجاح أكبر، وهذا يعني أن الذات قادرة على نفض الغبار عنها والمحاولة من جديد.
-اعرف اين تقف، فرغم كل الجهد الكبير والعمل الجاد والنوايا الطيبة وعدم الحصول على ما نريده يتركنا ندرك اننا في مكان تنافسي كبير، واننا جزء من الكون وعلاقتنا به اجبارية شئنا ام ابينا لكن اكتشاف ما هذه العلاقة هو الحل لكل شيء.
فمن الصعب بحسب نيبو الابقاء على هذا الفهم العميق للحياة حين نمر بامل او عائق، لاننا نفقد التوازن في تلك اللحظة، ويتملكنا الخوف والقلق فهي طبيعة الانكسار كونه يحد من وجهة نظرنا وعمقها بالمقابل يدفع الحب الطرفين لفهم بعضهما وعمق الكون بشكل اكبر وتجاوز الحدود الصغيرة؛ وعليه ينصح نيبو بتطوير مبادرة لتشجيع ذاتك: وهي موجودة في كافة الثدييات، ومبدأ هذه المبادرة هي استجابة للرقة أو اللمسة الحنونة وكأنك تعانق نفسك أو تربت على كتفك، إذ تعمل على تخفيف إفراز هرمون التوتر الكورتيزول، والهدف هو تهدئة الجسد، علما أنه يمكن لكل فرد اختيار أي حركة يريدها تشعره بهذه الرقة إزاء ذاته.
والأهم من كل هذا الطريق التي تنظر بها للأمور فكون الفرد مكسورا ليس بسبب او مبرر ان ينظر لكل شيء بانه مكسور ويعاني من شرخ، لأن الفكرة نفسها تستهلك الذات فإدراك الواقع يتطلب وقتا، فحين كنت بعافية وخير بدا كل الكون ملكا لك وفقدان شيء لا يعني ان الكون لم يعد مكانك.
فحين تستيقظ فإن الألم لن يزول بذات اللحظة، ولكن القلب الحقيقي بداخلك ما يزال موجودا ينبض بالحياة والحب وهو مثل البذور التي تحتاج وقتا لتثمر، واحيانا قد يضطر لأن ينكسر مرات ومرات حتى تنشق قشرته الحقيقية، والانكسار هو الذي يكشف لك هذه القلوب وحقيقة من حولك.
- قدر ما تعلمته، فما من شيء أكثر قوة وجمالا من ابتسامة تظهر وسط الصراع والدموع. فلا تندم على وقت مضى، ولا على لحظات كانت مليئة بالألم. بل واصل الابتسام بما اكتسبته من تلك الخيبات والدموع، وما تعلمته منها والقوة التي اكتسبتها لتحلق فوقها مجددا. ففي المحصلة ما مررت به لا يحدد من أنت، ولكن الطريقة التي تجاوزت بها كل هذه الأمور هي التي تحدد من أنت، وهي ما جعلتك الشخص الذي أنت عليه اليوم والشخص الذي ستكون قادرا على أن تكونه.
إسراء الردايدة



هل أعجبك الموضوع ؟

0 التعليقات:

إرسال تعليق