قبل مؤتمر بازل لم يكن المجال الدولي في تحقيق الأطماع اليهودية يتعرض لخطة منظمة من قبل القوى اليهودية العالمية . وأما منذ بازل فإن العمل اليهودي الصهيوني قد انطلق بخطة عالمية تعبّرعن الأماني والأطماع اليهودية . وقد حضر المؤتمر 204 من كبار اليهود في العالم , ولم يكونوا بالطبع أعضاء منتخبين إلا أنهم بحثوا مشاكلهم ودرسوا أطماعهم ووضعوا ما ارتأوه من أساليب لتحقيق أمانيهم وكان من أهم منجزات هذا المؤتمر اليهودي الاّتي :
وضع البرنامج الصهيوني المعروف والذي عرف " ببرنامج بازل " . وإقامة المنظمة الصهيونية العالمية لتنفيذ البرنامج الموضوع . وكان أيضاً من أهم قرارات المؤتمر على حد ما يذهب ( إسرائيل كوهين ) في تاريخ مختصر للصهيونية " قرار المؤتمر الرئيس الذي جاء فيه على النحو التالي :
" إن هدف الصهيونية هو إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين يضمنه القانون العام " .
ومن أجل تحقيق هذه الغاية بعينها وهي إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين خطط المؤتمر خطوات أربع كان لا بد منها لتحقيق هذا الهدف بالذات وهذه الخطوات الأربع هي :
1 – تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين وخاصة تشجيع استيطان العمال الزراعيين والصناعيين اليهود في فلسطين وفقاً لخطوط مناسبة .
2 – تنظيم اليهود وربطهم جميعاً عبر مؤسسات مناسبة على الصعيدين المحلي والعالمي , كل منها حسب قوانين البلد المعنى .
3 – تقوية الحس والوعي القومي اليهودي وتعزيزه
4 – إتخاذ خطوات تمهيدية للحصول على موافقة الدول حيث يكون ذلك ضروريا لتحقيق هدف الصهيونية .
هذه هي بعض القرارات والخطوات التي اتخذت في المؤتمر اليهودي في بازل والتي على ضوئها وبأساس منها قامت " المنظمة " الصهيونية العالمية عام 1897 ميلادي .
وكانت الخطوات التمهيدية المباشرة لهذا المؤتمر أنه قبل انعقاد المؤتمر بيومين عقد اجتماع تمهيدي اتخذت فيه القرارات اللازمة التي تضمن نجاح أعمال المؤتمر , وأيضا في هذا الإجتماع التمهيدي تم تشكيل لجنة خاصة كانت مهمتها صياغة قرارات البرنامج الصهيوني .
وفي يوم 9 أغسطس أب 1897 افتتح الدكتور ( ماركس ليبي ) أعمال المؤتمر وبعد تلاوة صلاة خاصة ألقى ( تيودور هرتزل ) خطاب الإفتتاح .
وعلى الأثر تم تشكيل مكتب للمؤتمر , انتخب تيودور هرتزل رئيساً للمؤتمر الصهيوني الأول , ثم سارت بعد ذلك الصهيونية العالمية في عمليات التصاعد والتوسع والإنتشار بنشاطها وتنظيماتها , فمثلاً في المؤتمر الصهيوني الثاني الذي عقد في أوغسطس عام 1898 بلغ عدد أعضاء المؤتمر 400 اي ضعف عدد المشتركين في أعمال المؤتمر الأول وفي الفترة بين المؤتمرين ازداد عدد الجمعيات الصهيونية بنسبة ثمانية أضعاف .
وبالإضافة إلى هذا النمو العددي , شهدت المنظمة الصهيونية تطوراً إدارياً , فالمؤتمر الصهيوني الثاني كان متميزاً في نقطتين :
الأولى : إن هذا المؤتمر الصهيوني الثاني كان أول مؤتمر صهيوني يحضره ممثلون شرعيون منتخبون .
الثانية : إن انعقاد هذا المؤتمر في موعده المحدّد أكسب الإدارة التشريعية الصهيونية صفة الدوام والإنتظام , ولقد شهد المؤتمر الصهيوني الثالث الذي انعقد في أغسطس عام 1899 نمواً جديداً في عدد الأعضاء المشتركين في أعماله وكان هذا دليلاً على ازدياد أعضاء المنظمة الذين ازدادوا بنسبة الثلث في روسيا ونسبة الربع في البلاد الأخرى مقارنة بعدد الأعضاء في المؤتمر الثاني .
والنقطة البارزة في المؤتمر الثالث كانت تبنّي المؤتمر لأجهزة المنظمة الدائمة , التي حلّت محل الأجهزة المؤقتة .
وفي المؤتمر الصهيوني الرابع الذي انعقد في أغسطس عام 1900 م أعلن أن عدد الجمعيات الصهيونية في بريطانيا ازداد من 16 إلى 39 , وفي الولايات المتحدة الأميركية من 103 إلى 135 , وفي روسيا القيصرية من 900 إلى 1146 , وأيضاً فقد شهدت البلدان الأخرى نمواً مماثلاً لهذه النماذج من البلدان التي انتشرت فيها الحركة الصهيونية وتوسعت .
أما المؤتمر الصهيوني الخامس المنعقد في أغسطس 1901 فقد شهد ظهور الحزب الصهيوني الأول داخل المنظمة وهو " الجناح الديمقراطي الصهيوني " , وفي المؤتمر ذاته أنشئ الصندوق القومي اليهودي بهدف إستملاك أراض في فلسطين , وبالإضافة إلى ذلك , راجع المؤتمر بعض الأعمال والأنظمة وأدخل عليها التعديلات الضرورية , فمثلاً أعلن المؤتمر عن تشكيل محكمة للمؤتمر لفض الخلافات بين الأجهزة الصهيونية , وقرر المؤتمر أيضا أن يمد دورته من عام إلى عامين على أساس أن يحل محل المؤتمر الصهويني بين المؤتمرين " المؤتمر السنوي " والمؤلف من أعضاء المجلس العام واللجنة التنفيذية واللجنة الدائمة ودائرة البنك الصهيوني وفوق ذلك كله فقد خضع البناء التنظيمي على الصعيد الدولي إلى تغييرات وتعديلات , فالعلاقة بين المكاتب المركزية في كل بلد وبين مكتب التوجيه المركزي في " فيينا " استبدلت بعلاقة مباشرة بين المكاتب المركزية في البلدان المختلفة من جهة واللجنة التنفيذية من جهة ثانية .
وبهذا البناء التنظيمي المتطور في أسلوب العمل الصهيوني منذ المؤتمر الأول فإنه لم يكد يأتي عام 1903 موعد المؤتمر الصهيوني السادس إلا وقد شهد 600 عضو مشترك بعد أن أصبح عدد الجمعيات الصهيونية في الفترة التي مرّت بين المؤتمرين من 1146 إلى 1572 جمعية .
وبهذه الروح المنطلقة الطامعة المتوسعة في الأعداد والعمل كانت تندفع الحركة الصهيونية , تهئ الأفكار وتصنع المجالات وتعبئ القوى التي تساعدها وتدفعها إلى العمل في المجال الدولي من أجل تحقيق وتنفيذ خطة العمل التي تحدّدت ملامحها في برنامج – بازل – الصهيوني .
ولم يكن غريباً للتنظيم الصهيوني منذ بازل – أن يتطور ويتصاعد بشكل غير مألوف في طريق النجاح والإنتشار والتوسع . فمنذ المؤتمر الأول عام 1897 – عام 1913 وسير المؤتمرات اليهودية الصهيونية من بازل إلى لندن , إلى لاهاي , إلى هامبرغ , إلى فيينا , يضيف قوة واندفاعاً في العمل الصهيوني لتحقيق برنامج بازل وأهدافه . ففي عام 1913 اّخر مؤتمر هام في هذه المرحلة – مرحلة الإعداد للدولة – تقرر في هذا المؤتمر إنشاء ( الجامعة العبرية في فلسطين ) . ومنذ هذا المؤتمر الذي عقد في فينا فإن حركة الإستعمار العالمي وبقيادة بريطانيا قد أدركت تماما ً ما يمكن أن تقدمه القوى الصهيونية الوليدة كقوة تضاف إلى حركة أطماع الإستعمار وخاصة حين تصبح الحاجة ماسة إلى تعبئة كل القوى المتوثبة المادية لإمكانيات العالم الرأسمالي , وبالفعل فإن التجربة التي مارستها القوى الإستعمارية مع القوى الصهيونية قد أكدت لكل منهما مدى ما يمكن أن تكون عليه العلاقات من عون بين كل منهما .
ففي منتصف الحرب العالمية الأولى لم تكن الكفة راجحة في يد بريطانيا تماما , إلا أنه بوعود وأماني من حركة الإستعمار العالمي في بريطانيا لأهداف ومخططات الصهيونية العالمية تحولت الصهيونية بضغوط رجالها والممولين لمرافق الحياة العامة في الولايات المتحدة وضغطت عليها كي تدخل الحرب التي لا ناقة لها فيها ولا جمل ولكي تغير مجراها , فتصبح في صالح بريطانيا وبالفعل سافر ( هربرت صموئيل ) البريطاني الصهيوني , واتصل بالقاضي " براندس " والقاضي " فرانكفورتز " واستطاع الثلاثة بضغوطهم وتعبئتهم للقوى اليهودية الأميركية أن يقحموا الولايات المتحدة في الحرب سنداً لبريطانيا وعونا لها , ومنذ هذا التاريخ بات محققاً إمكانية العمل المثمر لكل من الصهيونية والإستعمار البريطاني تكميل الفكرة
0 التعليقات:
إرسال تعليق