ليست المرة الأولى في التاريخ الأميركي، التي يتخذ فيها مثل هذا الإجراء، الذي يعود في الأساس إلى العام 1789 حين كلّف واضعو الدستور الكونغرس بمهمة السيطرة على الإنفاق كوسيلة للحدّ من السلطة الرئاسية. ومع مثل هذا القرار، تستطيع الحكومة الأميركية أن تنفق الأموال فقط "نتيجة المخصّصات التي يحدّدها القانون".
يقول تقرير أميركي، نشره موقع وزارة الخارجية، إنه على الرغم من أن المناقشات الدائرة حاليًا حول القرار تميل إلى التركيز على أسماء، مثل الرئيس أوباما والسيناتورين ريد وبينر، لكن ربما ينبغي أن تشمل أيضًا الرؤساء السابقين جورج واشنطن وجيفرسون وفرانكلين.
ويقول التقرير، الذي كتبته بريدجيت هنتر، المحررة في موقع "آي آي بي ديجيتال"، إن الوثيقة التي ساعد أصحاب آخر ثلاثة أسماء على صياغتها، وضعت الأساس للديمقراطية الأميركية، ووضعوا بتأن وتروّ الشرط الذي يسمح بوقف عمل الحكومة الفدرالية.
وثيقة 1789
ففي العام 1789، خلال القرن التاسع عشر، تحايلت السلطة التنفيذية على هذا القيد بالشراء عن طريق الدين أو القروض الائتمانية، وإرسال الفواتير إلى الكونغرس لتسديدها. حينها ردّ الكونغرس على هذا الاعتداء على سلطته في العام 1884 من خلال إقرار قانون مكافحة العجز المالي، الذي جعل الإنفاق عمدًا لأموال لم يخصّصها الكونغرس بمثابة جريمة، باستثناء حالات توقع حصول ضرر وشيك يهدد الحياة أو الممتلكات.
وعلى الرغم من القانون الجديد، استمر الكونغرس لمدة قرن تقريبًا في تجاوز التواريخ المحددة لإقرار المخصّصات الحكومية، وكثيرًا ما كان يسدّ الفجوات باتخاذ قرارات تمويل قصير الأجل سُميت قرارات الاستمرارية.
مثل هذا التأخير، أعاق السفر والمشتريات وتوقيع العقود الجديدة. وأوقف أحيانًا دفع أجور الموظفين الفدراليين، ومع ذلك، لم تفكر السلطة التشريعية ولا السلطة التنفيذية بجدية في وقف النشاطات الحكومية، واستمرت الوكالات الفدرالية في العمل لإيمانها بأن الكونغرس سيوفر التمويل في نهاية المطاف.
قرار غيّر واشنطن
يشير التقرير إلى أنه في العام 1980، طلب الرئيس جيمي كارتر من وزير العدل بنجامين سيفيليتي مراجعة قانون مكافحة العجز. وغيَّرت الحقائق التي توصل إليها سيفيليتي طريقة عمل واشنطن بشكل دائم.
وقال سيفيليتي، في رأي له نُشر رسميًا، "إن السلطة القانونية للعمليات المستمرة، إما أن تكون موجودة أو غير موجودة"، مضيفًا أنه عند عدم وجود تلك السلطة، ينبغي على الحكومة إعادة الموظفين إلى منازلهم. وذكر في رأيه أيضًا أن أيًا من رؤساء الوكالات يمكن مقاضاتهم جنائيًا إذا فشلوا في الامتثال.
وبعد خمسة أيام على صدور هذا الرأي، انتهى أجل التمويل للجنة التجارة الفدرالية، فيما كان يجري خلاف في الكونغرس حول سلطات الوكالة. فتوقفت هذه اللجنة عن العمل، وكانت أول وكالة فدرالية توقف العمل بسبب خلاف حول الميزانية، وصرفت موظفيها الـ1600. غير أنها استأنفت نشاطها في اليوم التالي، بعد اتخاذ الكونغرس إجراءات سريعة، ولكن ذلك كلف دافعي الضرائب 700 ألف دولار.
حينذاك، أمر كارتر حكومته بالاستعداد للإغلاق عندما بدأ العام الجديد للميزانية في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 1980، وانتهى أجل التمويل للعديد من الوكالات لمدة بضع ساعات، ولكن لم يتم صرف أي من الموظفين.
وفي فترة قريبة من نهاية ولايته، كان وزير العدل السابق سيفيليتي أوضح ما يعنيه القانون، بأنه يستثني من أعمال الحكومة النشاطات العسكرية ومراقبة الحركة الجوية، وإدارة السجون، والأعمال الأخرى التي تحمي سلامة الإنسان أو الممتلكات.
...وفي عهد ريغان
ويتحدث التقرير الأميركي عن تطور في عهد الرئيس الراحل رونالد ريغان، الذي كان من بين أسباب انتخابه وعوده بخفض الضرائب وتقليص النشاطات الحكومية، إذ استخدم الرئيس ببراعة التهديد باحتمال إغلاق الحكومة من أجل الدفع بأجندته السياسية.
وفي 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 1981، مارس ريغان للمرة الأولى حقه في النقض، وأوقف العمل بقانون الإنفاق في حالات الطوارئ، وصرف الموظفين الفدراليين من مكاتبهم. وبعد ساعات، أقرّ الكونغرس إجراءات للإنفاق لمدة ثلاثة أسابيع، لتلبية متطلبات الرئيس، وعاد الموظفون إلى أعمالهم، مما كلف دافعي الضرائب مبلغ 80 مليون دولار.
وكانت الخلافات بين ريغان والكونغرس سببًا في إرسال الموظفين إلى منازلهم لنصف يوم مرتين أُخريين. واستخدم خلف ريغان، الرئيس جورج إتش دبليو بوش (الأب)، مرة واحدة فقط هذا التكتيك، الذي أسفر عن إيقاف جزئي للحكومة خلال عطلة فدرالية في أعقاب نهاية عطلة الأسبوع في تشرين الأول/أكتوبر. وكان معظم المتضررين هم السيّاح أو الزوار الذين لم يتمكنوا من دخول المتنزهات القومية ومتاحف سميثسونيان.
خلال السنوات، التي سبقت صدور رأي سيفيليتي، كان توقف الحكومة عن العمل بسبب الخلافات حول الميزانية لمدة أسبوع أو أكثر من الأمور الشائعة. لكن بعد نشر رأيه، لم يستمر أي توقف عن العمل أكثر من ثلاثة أيام حتى العام 1995.
كلينتون مقابل غينغريتش
وكان حصل توقف كامل النطاق للحكومة، الذي تصوّر الكثيرون أنه أمر غير وارد، في عهد حكومة الرئيس بيل كلينتون. وحينها اختلف كلينتون مع رئيس مجلس النواب نيوت غينغريتش حول بعض القضايا الأكثر إلحاحًا في ذلك الحين، بما في ذلك مستقبل برنامج (ميديكير) للرعاية الصحية للمسنين، والمساعدة المقدمة للفقراء، والتخفيضات الضريبية، والعجز في الميزانية الفدرالية.
أسفرت التصادمات بين كلينتون وغينغريتش آنذاك إلى توقف عمل الحكومة مرتين، واحدة في العام 1995، واستمرت لمدة ستة أيام، وأخرى في العام 1996، واستمرت لمدة 21 يومًا. وكلف التوقف دافعي الضرائب الملايين من الدولارات، وألحق أضرارًا بالاقتصاد الأميركي، بسبب تأثيره على دخل الموظفين الفدراليين والمتعاقدين مع الحكومة والشركات، التي تعمل مع الحكومة في جميع أنحاء البلاد.
وقتها كان الرأي العام يميل إلى دعم الرئيس، فتوصل الكونغرس في نهاية المطاف إلى الموافقة على معظم شروط كلينتون بالنسبة إلى قوانين الإنفاق التي أصدرها. وظهرت النتيجة في انتخابات نصف الفترة في العام 1994، إذ إن جمهور الناخبين الأميركيين الذين كانوا معروفين بموالاتهم للجمهوريين، أعادوا انتخاب كلينتون، الديمقراطي، في العام 1996.
إغلاق 2013
في الأول من شهر تشرين الأول/أكتوبر 2013، كان عدم توافر التمويل للسنة المالية 2014 سببًا في فرض إغلاق عدد من القطاعات في الحكومة الفدرالية الأميركية. وكان الجمهوريون في مجلس النواب يسعون إلى خفض التمويل لقانون الرعاية الصحية بكلفة معقولة، الذي يعدّه الرئيس أوباما أحد أهم إنجازات حكومته. لكن مجلس الشيوخ، الذي يشكل الديمقراطيون الغالبية فيه، رفض مشاريع قوانين مجلس النواب، التي تتضمن خفض هذا التمويل.
وخلال إغلاق الحكومة، تستمر الخدمات الأساسية، مثل أجور الضمان الاجتماعي، وكذلك النشاطات الضرورية للمحافظة على الأمن القومي. ويتواصل أيضًا عمل الخدمات الممولة من رسوم المستخدمين، وكذلك بعض البرامج، التي يُنفق عليها من الأموال المتبقية من مخصّصات السنة المالية 2013.
يشار هنا إلى أن السلطة التنفيذية تحدد الموظفين، الذين يمكن إرسالهم إلى منازلهم، ومن يجب أن يظلوا في العمل من دون أجر، على الأقل في الوقت الحالي. ويذكر أنه في حالات إغلاق الحكومة السابقة، تمّ دفع رواتب الموظفين الفدراليين بأثر رجعي.
أخيرًا، فإنه وفي 2 أكتوبر/ تشرين الأول أصيب بالإحباط السيّاح والزوّار، الذين كانوا يأملون في زيارة المنتزهات القومية والنصب التذكارية. أما الموظفون الفدراليون، الذين وصفهم الرئيس أوباما بأنهم في هذه الأزمة مثل" أكياس اللكم" (المستخدمة في التدريب على الملاكمة) فإنهم يشعرون بالقلق، وهم إما ينتظرون دعوتهم إلى العمل مجددًا أو يتوقعون لحظة صرفهم إلى منازلهم.
ومن المتوقع أن يتكبد دافعو الضرائب الملايين من الدولارات بغضّ النظر عن كيفية حل هذه المسألة. وفي نهاية المطاف، سوف تعيد الحكومة الفدرالية فتح أبوابها، عندما يجد الرئيس ومجلسا الكونغرس طريقًا للمضي قدمًا تكون مقبولة بالنسبة إلى الطرفين، أو على الأقل يمكن أن يتحمّلها الجميع. وهذا هو بالضبط ما قصده الآباء المؤسسون، كما يقول التقرير.
ايلاف
0 التعليقات:
إرسال تعليق