لكي لا نتأثرَ بأساليب الترويج المُضلِّلةِ!

                      

إبراهيم كشت - باتت الصور والأصوات والايحاءات التي ترافق أدوات الترويج للسلع والخدمات تحيط بوجودنا من كل أقطاره، وتحاصر واقعنا من جميع أنحائه، إنها تغلغل في مكوّنات حياتنا، تحاول أن تحتلَّ منا السمع والأبصار والأفئدة، تهبط علينا من فوقنا، وتخرج لنا من أسفل منا، تمتزج فحوى رسائلها بالأثير من حولنا؛ لتغزونا من خلال الفضائيات والأجهزة الخلوية والانترنت، وتختلط بمادة وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة والمبثوثة. ترويج مستمر لا ينقطع، صارت مضامينه – المضلِّلةُ أحياناً - تشكل جزءاً كبيراً من المنبّهات التي تصل إلى إدراكنا، وتطرق باب وَعْيِنا، أو تقتحمهُ دون استئذان، لتعمل على إقناعنا بما تشاء، ومن ثم توجيه سلوكنا إلى حيث تريد.

نحتاج الى حصانة لمواجهة تأثير وسائل الترويج
في مجال علوم التسويق وفنونه، يُستخدم اصطلاح (الترويج) للدلالة على تلك النشاطات التي تسعى إلى توصيل المعلومات عن المُنتَج (السلعة أو الخدمة) إلى المستهلكين، بهدف إقناعهم، والتأثير في سلوكهم، وتوجيههم نحو شراء ذلك المنتَج والتعامل معه باستمرار. ويُشار عادة في علم التسويق إلى أدوات متعددة يعتمد الترويج عليها: كالإعلان، والدعاية، والبيع الشخصي، وتنشيط المبيعات من خلال وسائل معينة كالمعارض والجوائز والخصومات، وما إلى ذلك. وكلما تعددت قنوات الاتصال الإنساني، وتنوّعتْ وسائله، وزادت سهولتها وسرعتها ومدى انتشارها، وانخفضت كلفتها، زاد حجم الترويج، وتنامت قدرته على الوصول إلى مختلف فئات الناس وشرائحهم وأعمارهم، وتفاقمت تأثيراته بطبيعة الحال.  
لذلك فقد صرنا بحاجة إلى حصانة، وإلى دروع واقية تصدُّ التأثيرات السلبية للدعاية والإعلان وسبل الترويج الأخرى ولا سيّما المضللة منها، ولعل في الحقائق السِّتة التي سأذكرها تالياً، إذا أدركها المرء وتذكرها، ما يقلل من التأثير غير المحمود لوسائل الترويج تلك في النفوس والعقول والسلوكات:

الحقيقة الأولى هدف الترويج هو الربح المادي:
إن من يقوم بالترويج لسلعة أو خدمة لا يهدف من خلال ذلك إلاّ إلى الربح المادي، فهو لا يرمي إلى تحقيق قيم الحق والخير والجمال ...! ولا يقصد السعي لرفاه أبناء المجتمع، ولا يبتغي تحسين مستوى الصحة والتعليم، أو حماية البيئة، خلافاً لما قد يحاول أن يوحي، فلا هدف له ولا غاية إلا أن يزيد عدد من يقبلون على شراء سلعته أو خدمته، ليصل بذلك إلى ربح وافر، ويلجأ في سبيل ذلك إلى تزيين أساليب طرح المنتج أو الترويج له، ويدعي أن همّه الأول هو شخص المستهلك وشؤونه.

الحقيقة الثانية – مضمون رسالة الترويج قد تكون مضللة:
وسائل الترويج لا تَنطِقُ غالباً بحقائق علمية ، ولا تتحرى دقة المعلومة ، وقد تقدم فيما تعرضه نِسَباً وأرقاماً ، وتصوّر من يُلقى المعلومة بأنه خبير أو عالم أو مجرِّب ، فيجب أن نتذكر هنا أن مثل هذا الشخص تقاضي ثمن هذه الدعاية أو هذا الإعلان . آخذين بالاعتبار أن معظم الدول النامية لم ترتقِ فيها التشريعات والإجراءات ووسائل حماية المستهلك بعد ، لتراقب التضليل في وسائل الترويج ولتعاقب عليه، خلافاً للحال في دولٍ متقدمةٍ تمنع مجرد الإيحاء في الإعلانات بأي شيء لا يوافق الحقيقة، ولو بطريقة غير مباشرة  .

الحقيقة الثالثة

 للترويج تأثيرات نفسية مدروسة :

غالباً ما نتلقى إيحاءات مختلف أدوات الترويج بعفوية وبراءة ، ودون طول تفكير، بينما يكون من صمّمها وطرحها قد اتبع وسائل نفسية مدروسة، ومنهجاً علمياً متخصصاً ، من حيث الشكل والمضمون ، ودرس رسالته الإعلانية بدقة ، وعَرفَ إلى من يتوجه بها ، وحدّدَ ما أراد أن يوحي به ، وتعلّم أصلاً كيف يخاطب الحاجات والرغبات ، وكيف يستميل الآخرين ويقنعهم ، من خلال الصوت والصورة ، ومن خلال ارتباطهما بمداخل النفس ومساربها العميقة ، فهناك إذن عدم تكافؤ بين مرسل الإعلان ومُتَلقّيه فيما يتعلق بهذا الجانب  .

الحقيقة الرابعة

 الترويج  يركز على
 الحاجات وليس على الموارد :
أدوات الترويج للسلع والخدمات تخاطب عادة الحاجات ، والحاجات متزايدة غير محدودة ، لكن إشباعها يحتاج إلى موارد ، وتلك الأخيرة محدودة نادرة ، فالدعاية يهمها أن تقنعك بالشراء ، دون أن تأخذ بالاعتبار قدرتك المادية ، ومدى كفاية دخلك .  ويمكن لوسائل الترويج أن تعبث بأولويات الصرف لديك دون أن تحسّ أنت بذلك ، فقد توجّهك للألعاب والتسلية مثلاً ، بينما تكون أحوج إلى تلبية حاجات أكثر أهمية وقيمة . ناهيك عن أن شدة التأثر بمختلف وسائل الترويج للسلع والخدمات قد تؤدي إلى اللجوء للاستدانة ، أو إتباع مختلف الأساليب للحصول على المال لتلبية الرغبات التي خلقتها أو حركتها تلك الوسائل بقوة.

الحقيقة الخامسة

 لو كانت مضامين
 الترويج صادقة لما تضاربت
لو كانت الدعايات والإعلانات وأدوات الترويج الأخرى للسلع والخدمات تتسم بالصدقية والدقة - كما نحسبُها أحياناً - إذن لما تزاحمت وتضاربت وتناقضت ، فكل سلعة تزعم تفوقها عن نظيراتها ، وكل خدمة تدعي بأنها هي (الأُولى) بين شبيهاتها ، وكل منتج يحاول أن يوحي بأنه المفضّل لدى المستهلكين . وهذه المزاعم لا تستقيم مع المنطق ، لأنها تحمل التضاد في ذاتها ، مما يؤكد أن المقصود بالترويج لهذه السلع والخدمات هو مجرد الإقناع بها، واستمالة الناس إليها ، وجذبهم نحوها دون مراعاة المنطق.

الحقيقة السادسة

وسائل الترويج تنمّي
ثقافة الاستهلاك السلبية

لوسائل الترويج وأدواته ، دورٌ مقصودٌ أو غير مقصود ، مباشرٌ أو غير مباشر، في تعزيز ثقافة الاستهلاك ، وترسيخها وتنميتها ، بكل ما يترتب على هذه الثقافة من سلوكات التفاخر باقتناء بعض أنواع السلع ، والتباهي بالإقبال على بعض الخدمات ، بل ولجوء أفراد المجتمع لتقييم بعضهم بمعيار حجم الاستهلاك ، وليس حجم الإنجاز ، وبمعيار المظاهر بدلاً من معيار الخُلق والفضيلة .

ينبغي أن يبتعد الترويج عن التضليل

هذه الحقائق المتقدمة لا تعني أنه ليس من حق منتج السلعة أو مقدم الخدمة أن يُعرّف الناس بها ، ويروج لها ، على أن يراعي عدم التضليل، وعدم الإيحاء بغير ما هو صادق ، فالترويج ضرورة اقتصادية وحاجة تمليها المنافسة ، والمنافسة قد تنعكس ايجابياً على المستهلكين .  إلا أن هذه الحقيقة لا تحوّل أبداً دون أن يكون من يتلقى الدعاية أو الإعلان أو غيرها من وسائل الترويج عارفاً ومدركاً وواعياً للحقائق التي تقدمت الإشارة إليها، ولا سيّما النشء الذين يتأثرون بأدوات الترويج المختلفة دون أن تكون لهم طول خبرة ، أو قدرة على نقد مضمون وسائل الدعاية والإعلان ، أو تصور الأساليب المدروسة التي تلجأ إليها لإغرائهم بشرائها .



هل أعجبك الموضوع ؟

0 التعليقات:

إرسال تعليق