جاءت فكرة هذه التسمية من شكل البالون أو الفقاعة، فالبالون ينفخ ويشغل حجما أكبر بكثير مما يحتوي عليه من المادة –عدا الهواء-، هذه هي خلاصة فكرة اقتصاد الفقاعة الذي يعني بيع الأصول والسلع والمنتجات بسعر أكبر من قيمتها الأصلية وظهور الاقتصاد بحجم اكبر بكثير من قدراته وقيمته الجوهرية.
هذه الفقاعة الاقتصادية غالبا ما تكون مصحوبة بحركة مضاربة قوية تسببت بها من أجل مصالح ضيقة لفئة قليلة العدد من الأشخاص، وهذا ما رأيناه مثلا في اقتصادات بعض الدول والتي أدت المضاربة فيها إلى بيع بعض من الشقق الصغيرة بأسعار تفوق السبعة مليون دولار أمريكي ولعدة مرات صنع منها السماسرة المضاربون ملايين الدولارات في كل عملية بيع .
الوجه الآخر لهذه الفقاعة الاقتصادية هو الأرباح غير المتوقعة (Windfall profits) وهي أرباح يحصل عليها بعض السماسرة والأشخاص دون جهد فعلي أو انتاج مادي، وهذه تنطبق عادة على سوق الأسهم والبورصة فلكما زادت هذه الأرباح غير المتوقعة كلما زاد حجم الفقاعة انتفاخا وأضحينا أقرب لانفجارها، فالسيولة تزداد والانتاج غير موجود مما يعني ارتفاع قيم السلع والأصول بشكل غير منطقي لوجود سيولة كثيرة ومنتجات أقل.
ويربط المحللون دوما وجود الفقاعة الاقتصادية بخبل البيع والشراء العقاري، بحيث نرى ارتفاع مهولا في أسعار العقارات دون وجود سبب اقتصادي واضح لهذا الارتفاع، فاذا بدأنا نسمع جملة "إن هذا الارتفاع في الاسعار المجنون ليس له سبب" فاعرف أننا في مراحل الفقاعة الاقتصادية الأولى.
أسباب محتملة لهذه الفقاعة:
- نظرية المغفل الأكبر هي أساس في اقتصاد الفقاعة، وهي نظرية تقوم على شراء الشخص لسلعة معينة بسعر أكبر من قيمتها بالمراهنة على إيجاد شخص مغفل أكثر منه يشتري هذه السلعة بسعر أكبر، وهذا المغفل الجديد سوف يبحث عن مغفل أكبر وتبقى الدوامة بالبحث عن مغفل أكبر وتنتهي هذه الحلقة عندما يكون أخر من اشترى هو المغفل الأعظم...لحظتها تبدا الفقاعة بالظهور للعيان بوجود سلع تم امتلاكها بأضعاف قيمتها الاصلية وليس هناك من يشتريها.
- الفقاعة الاقتصادية تنتج من تحول قطاع الخدمات ليكون قطاعا سائدا في الاقتصاد بدلا من قطاع الانتاج الفعلي، فلو لاحظنا ما حصل لأوروبا التي نقلت صناعاتها إلى الصين والدول الناشئة الأخرى وكيف اهتزت بقوة رغم أنها كانت قد تجنبت فقاعة الثمانينات من القرن الماضي والتي هزت اليابان وأمريكا، وكذلك فنحن نرى دولاُ مثل الصين لم تتأثر إلا بشكل طفيف والسبب طبعا شكل الاقتصاد السائد. هذا السبب يجعلنا نتساءل دوما عن دور حكوماتنا العربية في قيادة شكل قطاع الاقتصاد وحفظ توازنه بدلا من تحوله إلى اقتصاد خدمات كامل قائم على المطاعم وشركات الخدمات الخلوية.
- الاستقراء التاريخي في التجارة الذي يؤدي إلى الاحتكار سبب مهم للفقاعة الاقتصادية، حيث يقوم البعض بافتراض أن زيادة سعر مادة معينة عبر السنوات كان بنسبة مئوية معينة سوف يتكرر للسنوات المقبلة، فياخذ المخاطرة بشراء سلعة بسعر أعلى من قيمتها محاولاً احتكارها ومراهناً على الزيادة السنوية المستقبلية ...لكن في حال لم يحصل هذا سيؤدي إلى وجود سلعة تم شراؤها بأعلى من قيمتها ولا يوجد من يدفع كلفتها.
- أسلوب القطيع في الاقتصاد، وهذا للأسف اسلوب سائد للغاية في مجتمعنا العربي حيث نرى الجميع يبيع ويشتري حسب موضة السوق...فالجميع ركض نحو الأسهم والبورصة ومحلات بيع البطاقات والاجهزة الخلوية دون أن يسأل ما هو حجم السوق وإلى متى سيستمر فينتج عن ذلك الفقاعة الاقتصادية..
- زيادة السيولة في الأسواق مصحوبة بتسهيلات مبالغ بها من البنوك، هذه السيولة الكبيرة والتسهيلات غير المرتبطة بنظام وقائي يجعل من المغامرة أمرا طبيعياً ومعتاداً لدى الأفراد، تلك المغامرة تجعل من ارتفاع قيمة الأصول والسلع رد فعل طبيعي انتظارا لمغامر يشتريها، هذه الحالة شبه دائمة ومرافقة لأي فقاعة اقتصادية.
- الفقاعة الاقتصادية المخلوقة عمدا، وهنا يقوم أصحاب رؤوس أموال ضخمة بدفع العالم بجنون نحو هذه الفقاعة من أجل حصد أكبر ربح ممكن من الفقاعة لحظة الانفجار الحتمي لها، عند الانفجار لن يستطيع المتورطون الصغار فيها من النجاة لكن رؤوس المال الكبيرة تنجو بكل سهولة. لو شاهدنا مثلا ازمة العقار الأمريكية وبيع العقارات من قبل المواطنين العاديين في النهاية بأسعار منخفضة للغاية لأصحاب رؤوس المال والمنتظرين لهذا السقوط لأدركنا معنى هذا الكلام.
- نقص الخبرة وضعف الرؤية لدي إدارات البنوك ؛ حسب ما روى الصحفي كريستوفر وود عند تغطيته للكساد الياباني العظيم في مطلع التسعينات من القرن الماضي، فقد ذكر ما استنتجت منه أن النجاح الصناعي الكبير لليابان قبل فترة فقاعتها الاقتصادية الماضية فإن البنوك وجدت نفسها تمتلك ثروات ضخمة جدا مع نقص خبرة في إدارة هذه الأموال، فبدأت السيولة تزداد حتى جعل قيمة أرض اليابان تقديرياً لو أردنا بيعها تفوق قيمة أرض باقي العالم بما نسبته 15%.
- عدم اكتمال المنظومة الاقتصادية ، فمن خلال ما سبق نستطيع أن نستنتج سبباً رئيسياً لهذه الفقاعة هو وجود خلل في أحد أركان الاقتصاد أو وجود سؤ في تنظيمه، فعندما نريد قطاعاً اقتصادياً قوياً صناعياً أو سياحياً مثلاً فلا بد من تحضير باقي القطاعات للتعامل معه كالبنوك مثلا في قصة اليابان.
كيف تتجنب الفقاعة الاقتصادية؟
- تجنب أسلوب التسوق الاستهلاكي، ولا تشتري إلا ما تحتاجه، هذا لا يعني أن تتوقف عن شراء بعض الكماليات لكن المطلوب ضبط مصروفات الترفيه والكماليات بشكل لا يتعدى 15% من مصروفك الكلي.
- لا تتحرك مع جريان السوق، فلو رأيت العالم كله يربح بالأسهم فلا تتحرك إلا إذا كنت مقتنعا بفهمك لهذا السوق ولديك مخططاً واضحاً لطريقة إدارة مالك.
- ابتعد عن المقامرة المالية (المغامرة)، فلا تشتري شيئا بدينار لتراهن على زبون يشتريها بعشرة قالوا لك أنك قد تجده لكنه غير متوفر الآن.
- تجنب بطاقات الائتمان لأنها طريقك السحري نحو الدين الكبير، وتجنب القروض غير المبررة.
- متابعة نشرات الأخبار الاقتصادية مرة واحدة اسبوعيا على الأقل لتفهم تأثير بعض العناصر على بعضها فيما يتعلق بالاقتصاد من حولك.
- لا تعتمد في مشاريعك على الفرضيات ، تحرك بناء على الدراسات المنطقية وعلى أساس أقل معدل ممكن من المخاطرة...فالمشروع الذي ربح 40% قبل عشرين سنة ليس بالضرورة ان يربح بنفس النسبة هذا العام لك.
0 التعليقات:
إرسال تعليق