المجاملة.. ضرورة أم سلوك غير طبيعي؟


 الدكتورة مرسلينا شعبان حسن- المجاملة سلوك اجتماعي محبب لدى الناس، قلما تجد أحداً لا يمارسها، ويبرر وجودها في تعامله مع الآخرين فما مفهوم المجاملة، وما وظيفتها الاجتماعية، هل هي شكل من أشكال الرياء، أم تندرج في إطار اللياقة الضرورية بين الناس، ومتى تتحول إلى عكس المطلوب منها؟

للإضاءة على هذه النقاط شريحة من الشباب متنوعة في مستوياتها التعليمية والثقافية، بدت آراؤهم متباينة بعض الشيء، لكنها تجمع على وجود المجاملة وضرورتها في المجتمع‏ 

المجاملة فعل ايجابي‏ 

مجموعة كبيرة من الآراء تقول: نصف سلوكنا مع الناس مجاملة إذا لم نقل أكثر، وهي سارية في المجتمع، إذا مشينا مع التيار السائد في المجتمع نكون شاذين أو مغردين خارج السرب، فسلوك المجاملة لا يعبر عن الذات ولا يتفق مع قناعاتنا الداخلية، لكنه بالنتيجة فعل ايجابي تجاه الآخرين، والناظم الوحيد لها أن لا تصل إلى درجة الرياء، مثل شخص يمدح شخصاً آخر لكنه هو نفسه يعرف أنه يكذب عليه، وفي هذا المعنى تكون استهزاء وقد تسبب ملاسنة وعداء بينهما، المنطلقات في المجاملة العادية أن تبتسم في وجه الآخر وإنسانياً تبتسم في وجهه تودداً، واجتماعياً تزيد الالفة بين الناس.‏ 

نصف بلاء المجتمع من المجاملات‏ رأي مغاير إلى حد ما يقول: أنه لا يحب المجاملات خاصة في القضايا المهمة والحساسة، لكنه يمرر بعض المجاملات الصغيرة التي لا قيمة لها كأن يسأله شخص عن قميصه إذا كان جميلاً أم لا، لكنه في مسائل الفكر والثقافة لا يجامل، ويقول رأيه بصراحة، مهما كانت النتائج المترتبة على هذا الرأي. فالمجاملة تنضوي على شيء من النفاق خاصة إذا وصلت إلى درجة تزيين مساوىء الإنسان، ونصف بلاء مجتمعنا من المجاملات، والإنسان المخلص والمحب هو الذي يكشف لي عيوبي وكما يقول المثل العربي صديقك من صدقك لا من صد قك.‏ 

المجاملة فن‏ 
ويوجد شريحة واسعة من الناس يرون أن المجاملة في المجتمع مطلوبة وضرورية، ومعايشة الآخر فن، وتحتاج إلى مرونة، فإذا كانت في كل أمر تعدت حدود اللباقة الاجتماعية وتجلببت بالرياء المحض، فضغوطات الحياة والوضع الاقتصادي المتأزم يدفع كثيراً من الناس لكسب رضا الآخرين، ومسايرتهم ومجاملتهم حتى على حساب كراماتهم.‏ 

اما مفهوم المجاملة برأي كاختصاصية في علم الصحة النفسية، فهي عدم تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية واطلاق عبارات فضفاضة وهذا ما يفقد الأشياء معناها، فالمجاملة تتطلب دفع الأمور إلى الأمام وعدم المواجهة، ولكن السلوك الحضاري يقتضي الوضوح والبساطة، وهناك فرق بينها وبين الاتيكيت.‏ 

اللاتيكيت حضور اجتماعي لطيف للشخص وغير استفزازي، ويراعي الأعراف بدون مبالغة وبسلوكات مرسومة أو متعلمة ضمن معطيات البروتوكولات العامة والخاصة. والمجاملة هي اختراق المسافات النفسية بين الأشخاص وعدم الوضوح بما يريد الشخص قوله للآخر.‏ 

فكل العبارات التي نسمعها / حبيبتي حبيتك على حسابك البيت بيتك والمكتب مكتبك، كثير من الأحيان تكون مضيعة للوقت وتشويشاً للقاء، وتكرار هذا السلوك عائد إلى عدم إدراك أهمية الوقت وعدم مواجهة الموقف بوضوح و التزلف إذا كان لدى الشخص حاجة ما ، فكأن المجاملة تقتضي الطلاقة اللفظية وتنسى الحضور الحقيقي للسلوك الفعلي المناسب للكلام.‏ 

من مبررات سلوك المجاملة، الضعف العام الذي يكون فيه الشخص غير مهيىء له في موقف ما كأن يطلب منه أن يؤدي عملاً ما في وقت محدد فيقول ان شاء الله لكنها كثيراً من الأحيان تحمل وتتضمن التسويف.‏ 

لباقة وتودد‏ 

من الضروري في التفاعل الاجتماعي أن يكون الحضور مرناً ليس كمثل الحضور بقاعة محاضرات أو قاعة رسمية، والمواقف التي أجد فيها المجاملة ضرورية في الأعراس ومع الجيران وفي العزاء، سواء كانوا متحابين أو لا.‏ 

عيوب المجاملة‏ 

المجاملة في المدرسة إذا كان الأطفال من مستوى اجتماعي معين لا تتهم مصارحة أهلهم بقدارتهم الفكرية ولا يشار إلى تقصيرهم وإهمالهم، إذا ما سئلوا عنهم يعمون على الحقيقة، وتأخير العاملين عن عملهم نجده مرات كثيرة مرتبطاً بعلاقات شخصية وليس التزاماً بالعمل وهذه أخطر عيوب المجاملة، وأيضاً هي سلوك مقبول عن كبار السن لملء الفراغ واتساع رقعة الحديث لتقطيع الوقت لكنها عند الشباب لها محاذيرها. فالتلاعب بالألفاظ والكلام متعتهم الحقيقية، بينما عند الشباب يغلب القول على الفعل يراكمون تجارب تقوي حضورهم الاجتماعي.‏ 

فالمجاملة سلوك لفظي أكثر بكثير مما هي سلوك عملي، والناس الذين يتعرضون لصدمات أو مواقف متعثرة في حياتهم يدركون خطورة سلوك المجاملة وينفرون منه، وهم بحاجة ماسة للتعامل الواضح.‏ 




هل أعجبك الموضوع ؟

0 التعليقات:

إرسال تعليق