العليم سبحانه هو الذي عَلِم ما كان، وما هو كائن، وما سيكون، وما لو كان كيف يكون، أحاط عِلمه بجميع الأشياء ظاهرها وباطِنها، دقِيقها وجليلها، فما من صغيرة وكبيرة في خلقه إلا وتعلقت بعلمه.
والعليم في اللغة من أَبنية المبالغة، عَلِيمٌ وزن فعِيل، فعله عَلِم يعلم علما، ورجل عالم وعَلِيمٌ، والعِلمُ نقيضُ الجهل، ويجوز أن يقال للإِنسان الذي عَلمه الله عِلما من العُلوم عَلِيم، كما قال تعالى عن يوسف عليه السلام (وقوله للملك):"اجْعَلنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظ عَلِيمٌ" [يوسف:55]، لكن شتان ما بين علم مقيد محدود وعلم مطلق بلا حدود، سبحانه وتعالى في كمال علمه، جلّ شأنه في إطلاق وصفه، فعلمه فوق كل ذي علم كما قال عز وجل:" نَرْفَعُ دَرَجَات مَنْ نَشَاء وَفَوْقَ كُل ذِي عِلمٍ عَلِيمٌ" [يوسف:76].
فالله عز وجل عليم بما كان وما هو كائن وما سيكونُ، لم يَزَل عالِما ولا يَزال عالما بما كان وما يكون، ولا يخفى عليه خافية في الأَرض ولا في السماء، سبحانه أَحاط عِلمُه بجميع الأَشياء باطِنِها وظاهرها، دقِيقها وجليلها على أَتم الإِمكان، ولذلك فاسم الله العليم يشتمل على مراتب العلم الإلهي، وهي:
1 - علمه بالشيء قبل كونه وهو سر الله في خلقه، ضن به على عباده، لا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل، قال تعالى:" إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَليمٌ خَبِيرٌ" [لقمان:34]، وقال سبحانه:" قُل لا يَعْلمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الغَيْبَ إِلا اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ" [النمل:65].
2 - علمه بالشيء وهو في اللوح المحفوظ بعد كتابته وقبل إنفاذ أمره ومشيئته فالله عز وجل كتب مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم بخمسين ألف سنة، والمخلوقات في اللوح قبل إنشائها عبارة عن كلمات، وتنفيذ ما في اللوح من أحكام تضمنتها الكلمات مرهون بمشيئة الله في تحديد الأوقات التي تناسب أنواع الابتلاء في خلقه، وكل ذلك عن علمه بما في اللوح من حساب وتقدير، وكيف ومتى يتم الإبداع والتصوير، كما قال تعالى:" أَلمْ تَعْلمْ أَنَّ اللهَ يَعْلمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلك عَلى اللهِ يَسِيرٌ " [الحج:70]، وقال أيضا:"مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْل أَن نَبْرَأَهَا" [الحديد:23].
3 -علمه بالشيء حال كونه وتنفيذه ووقت خلقه وتصنيعه كما قال سبحانه وتعالى:"اللهُ يَعْلمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَار ٍعَالمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الكَبِيرُ المُتَعَال" [الرعد:8]، وقال تعالى:"يَعْلمُ مَا يَلجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الغَفُورُ" [سبأ:2].
4 -علمه بالشيء بعد كونه وتخليقه وإحاطته بالفعل بعد كسبه وتحقيقه، فالله عز وجل بعد أن ذكر مراتب العلم السابقة في قوله تعالى:"وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ" [الأنعام:59]، ذكر بعدها المرتبة الأخيرة فقال:"وَهُوَ الذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِالليْل وَيَعْلمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ليُقْضَي أَجَلٌ مُسَمّىً ثُمَّ إِليْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" [الأنعام:60]، وقال أيضا:"قَدْ عَلمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ" [قّ:4]، وقال:"أَلمْ يَعْلمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَن اللهَ عَلامُ الغُيُوبِ" [التوبة:78]، فالله عز وجل عالم بما كان، وما هو كائن، وما سيكون، وما لو كان كيف يكون على ما اقتضته حكمته البالغة.
ومن الدعاء باسم الله العليم قوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام:"رَبنا تقبَّل مِنا إنك أنت السَّمِيعُ العليم" [البقرة:127]، وقوله تعالى:"وإمَّا يَنزَغنك مِن الشيْطانِ نزْغ فاستعِذ بالله إنه سَمِيعٌ عليمٌ" [الأعراف:200]، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أعُوذ بالله السَّمِيعِ العليمِ مِن الشيْطانِ الرَّجِيمِ مِن هَمْزه ونفخِه ونفثه".
ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:"اللهمَّ رَبَّ جِبْرَائِيل ومِيكَائِيل وإسرَافِيل، فاطِرَ السَّمَاواتِ والأرض عالم الغيْب والشهَادةِ أنت تحْكم بين عِبَادِكَ فِيمَا كَانوا فِيه يَخْتلفون، اهدِنِي لما اختلف فِيه مِن الحق بإذنك إنك تهدِي مَن تشاءُ إلى صِرَاطٍ مستقيم".
ومن آثار توحيد الله في اسمه العليم أن يتواضع العالم لربه؛ فيتصاغر في نفسه مقدار علمه توحيدا لله في علمه، وأنه مهما بلغ علمه ففوق كل ذي علم عليم، ومن ثم يحرص على دوام التذلل له والافتقار، ويبلغ العلم ولا يجحده عند السؤال، ويزداد بعلمه قربا لربه سبحانه وتعالى لأن التقوى مفتاح العلم بالله كما قال:"واتقوا اللهَ ويُعلمكم الله والله بكل شيْءٍ عليمٌ". [البقرة:282]
0 التعليقات:
إرسال تعليق