الخبير سبحانه هو العالِم بما كَان، وما هو كائن، وما سيكون، وما لو كان كيف يكون وليس ذلك إلا لله سبحانه وتعالى، فهو الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ولا يتحرك متحرك ولا يسكن إلا بعلمه، ولا تستقيم حياته إلا بأمره .
قال تعالى : " وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِين " [هود:6]، والله عز وجل خبير له جنود السماوات والأرض يخبرونه بالوقائع لتحقيق الحكمة في الخلق وهو عليم بالأشياء قبل إخبار الملائكة عنها وبعد الإخبار عنها، وعند البخاري من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : ( يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ وَصَلاَةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ : تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ) (130)، فسؤاله سبحانه لهم ليس طلبا للعلم فهو السميع البصير العليم الخبير، ولكن لإظهار شرف المؤمن عند ربه، وبيان فضله بين ملائكته وحملة عرشه،
هو الذي لا تعزب عنه الأخبار الباطنة فلا يجري في الملك والملكوت شيء ولا تتحرك ذرة ولا تسكن ولا تضطرب نفس ولا تطمئن إلا ويكون عنده خبرها وهو بمعنى العليم ولكن العلم إذا أضيف إلى الخفايا الباطنة سمي خبرة ويسمى صاحبها خبيرا. الله هو الخبير ، الذى لا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السماء ، ولا تتحرك حركة إلا يعلم مستقرها ومستودعها .
والفرق بين العليم والخبير ، أن الخبير بفيد العلم ، ولكن العليم إذا كان للخفايا سمى خبيرا . ومن علم أن الله خبير بأحواله كان محترزا فى أقواله وأفعاله واثقا أن ما قسم له يدركه ، وما لم يقسم له لا يدركه فيرى جميع الحوادث من الله فتهون عليه الأمور ، ويكتفي باستحضار حاجته فى قلبه من غير أن ينطق لسانه .
والخبير في اللغة من مباني المبالغة، فعله خَبَرَ يَخْبُر خُبْرا، وخَبُرْتُ بالأَمر أَي علمته وخبَرْتُ الأَمرَ أَخْبُرُهُ إِذا عرفته على حقيقته، وروي انا أبا موسى قال لعائشة : "مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ؟ قَالَتْ : عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ "، تعني رضي الله عنها أته سأل من يعلم الجواب بتمامه فالخَبِيرُ الذي يَخبُرُ الشيء بعلمه ، والخبرة أبلغ من العلم لأنها علم وزيادة، فالخبير بالشيء من عَلِمَه وقام بمعالجته وبيانه وتجربته وامتحانه فأحاط بتفاصيله الدقيقة وألم بكيفية وصفه على الحقيقة
قال ابن حجر رحمه الله : " قيل الحكمة فيه استدعاء شهادتهم لبني آدم بالخير واستنطاقهم بما يقتضي التعطف عليهم، وذلك لإظهار الحكمة في خلق نوع الإنسان في مقابلة من قال من الملائكة : " أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ " [البقرة:30]، أي وقد وجد فيهم من يسبح ويقدس مثلكم بنص شهادتكم.
ومن الدعاء باسم الله الخبير: اللهم يا خبير يا بصير، سبحانك وبحمدك، توكلت عليك في مسألتي وأنت عليم بذنبي، فاغفر لي وعافني ويسر أمري .
ومن آثار توحيد المسلم لله في اسمه الخبير اعتماده على تدبير ربه في كل صغيرة وكبيرة من أمره، فطالما آمن العبد بأن الله خبير، سلم له في جميع شؤونه مطلق التدبير، وهذا شأن أهل التوحيد واليقين ألا يخالفوا مراد الله وتدبيره، بل يسلموا إليه أمورهم ثقة في كمال تدبيره، سواء كان تدبيرا كونيا على مقتضى حكمته في ترتيب الابتلاء، أو كان تدبيرا شرعيا يتعلق بما أمرهم به أو نهاهم أو ندبهم أو دعاهم، فلا ينازعون الله في تدبيره وشرعه، ويسلمون بالرضا لقضائه وقدره ، فالذي وحد الله في اسمه الخبير يختار الله وكيلا كفيلا، والله سبحانه وتعالى إذا تولى أمر عبد بجميل عنايته كفاه وأغناه وأسعده في الدنيا والآخرة .
0 التعليقات:
إرسال تعليق